الأربعاء، 24 مارس 2010

المكسيك ثورة الزاباتيستا 1994


انتفاضة الفلاحين الفقراء في ريف المكسيك

في يناير 1994 تم توقيع اتفاقية النافتا للتجارة الحرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك حاملة معها وعودًا زائفة بالرخاء في المكسيك. دفعت وحشية الأوضاع الفلاحين الفقراء في جنوب المكسيك إلى حمل السلاح كرجال عصابات بقيادة جيش الزاباتيستا للتحرير الوطني.
بعض الاسئلة التى ستحاول هذه المقالة الاجابة عنها...
1- ما هي أسباب هذه الانتفاضة؟
2- لماذا لجأ هؤلاء الفلاحين لحرب العصابات كطريق للتغيير؟
3- كيف انتهت الانتفاضة المسلحة نهاية إصلاحية؟
4- أين كانت الطبقة العاملة منها؟

سنحاول الاقتراب من جذور هذا الحدث للرد على أولئك الذين يروجون لوهم تحقيق التغيير بدون الطبقة العاملة، ويرون أن الفلاحين كطبقة بإمكانها أن تقود التغيير الاشتراكي الثوري من خلال حرب العصابات.
1- ما هي أسباب هذه الانتفاضة؟
كانت الانتفاضة نتيجة مباشرة للغليان الطبقي في المكسيك. فلقد كان للحكومة المكسيكية – بطبيعة الحال – دور بارز في تسهيل استغلال البرجوازية المكسيكية للفقراء. وبالرغم من هذا الاستغلال البشع الذي يعاني منه الفلاحين الفقراء من الهنود الحمر، غابت القوى السياسية.
عام 1982، كان الاقتصاد المكسيكي يواجه أزمة الديون الشهيرة؛ ولمواجهتها قامت الحكومة بالشروع في تطبيق سياسات السوق الحر من أجل إعطاء ثقة كبيرة للرأسمالية المكسيكية. هذا البرنامج الليبرالي المتشدد، الذي استكمله الرئيس سالينا عندما جاء للحكم، حمل في طياته رفع نسبة البطالة بمعدلات كبيرة.
كما أن البلايين الكثيرة التي جاءت من الخارج (سبعين بليون دولار) لتشجيع الاستثمار، ذهب معظمها لشراء أسهم في المؤسسات المباعة وخاصة البنوك والشركة القومية للتليفونات والشركات الأخرى الخاصة، ولم يذهب منها سوى عشرة بلايين فقط للاستثمارات المحلية. كانت لهذه السياسات أثارها السلبية على الجنوب الذي تتركز فيه الزراعة. وكانت المفارقة أنه في نفس الوقت الذي كانت فيه الحكومة الرأسمالية بالمكسيك تدعم بكل قوة اقتصاديات السوق الحر، أصبح النمو يعتمد أكثر فأكثر على صنع فجوة كبيرة بين كل من الشمال والجنوب المكسيكي.وبدأ يتشكل في الجنوب مشهدًا آخر لدولة أخرى تعتمد بالأساس على الاقتصاد الزراعي، وخاصة في ولاية شيباس حيث قامت الانتفاضة. يمكن أن نطلق على هذا الوضع ما وصفه تروتسكي بقانون التطور المركب واللا متكافئ.
2- لماذا لجأ هؤلاء الفلاحين لحرب العصابات كطريق للتغيير؟
وجد الزاباتيون أن موعد بدء تطبيق اتفاقية النافتا يمثل فرصة ذهبية لإعلان انتفاضتهم. فهدف الاتفاقية هو جذب المستثمرين الأمريكيين والمكسيكيين وغيرهم للاستثمار في المكسيك من أجل دفع عجلة التراكم الرأسمالي إلى الأمام. فاختار الزاباتيون تاريخ أول يناير 1994 لتأكدهم من أن ثورتهم – في مثل هذه الظروف – سوف تجتذب أكبر قدر من الانتباه. وكانوا يتوقعون عدم لجوء الحكومة لأسلوب القمع لوأد الحركة في ظل قرب موعد الانتخابات الرئاسية في أغسطس من نفس العام.حيث كان تدخل الحكومة بالقمع يعني تقليل فرص الحزب الحاكم للفوز في الانتخابات. شنت قوات الزاباتيستا هجومًا مسلحًا على قاعدة عسكرية بمنطقة رانشوفو. كما شنت هجومًا على أحد السجون وأطلقت سراح 178 سجينًا. ثم اختطفت الحاكم السابق للولاية وبعض أفراد عائلته. و قام المزارعون بتحطيم مبنى المجلس المحلي بالمطارق في مدينة التاميراند، كما أقاموا المتاريس في عدد من القرى. وكرد فعل أولى على الانتفاضة، قامت الحكومة بمحاولة افشالها بإعلانها أن طريقة تدريب المزارعين وإمداداتهم من الأسلحة تؤكد وجود علاقة بينهم وبين المتمردين اليساريين في جواتيمالا. ثم حاول الرئيس سالينا ثانيًا تفتيت تضامن الفلاحين الزاباتيين، فأعلن في بداية الانتفاضة أنه يبحث أمر العفو عن بعض المشاركين فيها وأن العفو سيشمل الذين تعرضوا للخداع أو أجبروا على الانضمام لما يسمى "بجيش الزاباتيستا للتحرير الوطني".
وبعد أسبوع واحد من بدء القتال، كان المزارعون قد نجحوا في اقتلاع برجين للكهرباء في وسط المكسيك، وفي إسقاط ثلاثة طائرات استطلاعية.وخلقت الانتفاضة قدر من التعاطف الشعبي في العاصمة. إذ نظم ثمانية آلاف من المؤيدين لجيش زاباتيستا في اليوم الثامن للانتفاضة مظاهرة في أحد الشوارع الرئيسية بالعاصمة، وطالبوا الحكومة بالاعتراف بجيش زاباتيستا كخطوة أولى نحو المفاوضات.
وكأي حكومة برجوازية تعي جيدًا أن وظيفة الجيوش هي قمع الطبقات المستغلة في المقام الأول، أرسلت الحكومة قوات مكونة من سبعة عشر ألف جندي وبضع عشرات من طائرات الهليوكوبتر ونحو مائة سيارة مصفحة لتنتشر في الجنوب. كما صدرت الأوامر بالتعامل بوحشية شديدة بهدف إعادة النظام مرة أخرى. وتمكنت قوات الجيش من تحرير أربع مدن من الست التي كان قد احتلها الهنود الحمر. أدى ذلك بالهنود إلى إعلان الفوري عن أنهم في مرحلة إعادة تنظيم للقوات ولكنهم لم ينسحبوا. وبالرغم من تصعيد القمع فقد كان استمرار الانتفاضة يعني الكثير من الخسائر بالنسبة للحكومة والرئيس المكسيكي. فهذه الانتفاضة كانت تعني تهديدًا لمشاركة المكسيك في اتفاقية النافتا. وكان تطورها وتحولها إلى حرب عصابات طويلة الأمد أو حركة احتجاج مدني واسع. أمرًا يفيد المعارضة في مواجهة الحزب الحاكم وذلك قبيل الانتخابات التي كان موعدها بعد سبعة أشهر فقط من قيام الانتفاضة المسلحة. دفع هذا كله الرئيس المكسيكي إلى التراجع وإعلان اعتذاره عن سوء الأحوال المعيشية.ومالبث الرئيس أن أقال وزير الداخلية جونزاليس جاريدو صاحب السجل الأسود خلال فترة حكمه للولاية والذي يوصف بالطاغية.وتم وقف العمليات العسكرية. ثم قامت الحكومة بإصدار بيان تعبر فيه عن استعدادها للتفاوض مؤكدة بذلك تنكرها لكل الاتهامات الموجهة لها.

3-كيف انتهت الانتفاضة المسلحة نهاية إصلاحية؟
بعد عامين من بدء حركة الزاباتيسيا كانت الحصيلة الحقيقية هي "إعلانات متكررة لحقوق السكان الأصليين من الهنود الحمر". وعلى الرغم من وجود مساحة كبيرة من التعاطف العام بين المكسيكيين مع الزاباتيسيا، إلا أن حركتهم كانت دائمًا تستبعد الأغلبية المقهورة من اهتماماتها. لم تقدم حركة الزاباتيسيا للطبقة العاملة المكسيكية سوى خطوط واسعة مشوشة من نقد سياسات الليبرالية الجديدة، هذا إضافة إلى إستراتيجية الجبهة الواسعة للقتال من أجل الديمقراطية مع المثقفين ورجال الأعمال المتوسطين والصغار والطلاب والفلاحين والنساء. بعد ثورة يناير 1994 طلب عدد كبير من العمال الانضمام إلى جيش الزاباتيستا للتحرير الوطني. إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فإن الزاباتيستا لم يأخذوا في الحسبان المطالب الطبقية للعمال في المدن الحضرية جنبًا إلى جنب مع تلك المتعلقة بفلاحي سيباس. وعلى الرغم من الانتصار النسبي لرجال الزاباتيستا في الانتفاضة المسلحة، إلا أنهم ارتضوا أن يخوضوا مفاوضات سلام مع الحكومة. واتخذت المفاوضات طرق طويلة وشهدت شد وجذب. إذ أنها بدأت بعد ثلاثة أسابيع من الانتفاضة في يناير 1994، وانتهت في فبراير 1996.وخلال المفاوضات نجحت الحكومة ف استدراج الثوريين إلى طريق لا ينتهي؛ طريق شبيه بالمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
تقدم الهنود بحوالي اثنين وثلاثين طلبًا للجنة المفاوضات تشتمل أغلبيتها على تحسن مستوى معيشتهم، وتوفير فرص للتعليم والرعاية الصحية ومعالجة البطالة وتعديل شرط المعيشة للفلاحين في شيباس، وخاصة إعادة الأراضي الزراعية المسلوبة إلى مالكيها الأصليين من الفلاحين، بالإضافة إلى زيادة النفقات العامة والتوسع في الخدمات عن طريق بناء مستشفيات ومدارس ومساكن. كذلك تضمنت مطالبهم أبعاد إصلاحية أعم هي إجراء انتخابات رئاسية نظيفة وإعطاء فرصة حقيقية لأحزاب المعارضة للتعبير عن رأيها فضلاً عن وجود حركة إصلاح ديمقراطي للنظام السياسي القائم. ووصل الأمر إلى المطالبة بإقالة الرئيس سالينا من منصبه.
بالطبع اكتفت الحكومة بوعد الهنود بمناقشة المطالب الخاصة بحياة المواطنين في شيباس وزيادة النفقات العامة التي تصرف على الخدمات بالإقليم، كما وعدت بإقامة محكمة للدفاع عن الهنود الحمر.ولم تستجب لمطالبهم الأكثر راديكالية مثل إقالة الرئيس سالينا وإجراء تعديلات في نظام الانتخابات المباشر في شيباس،ولكنها اكتفت بتقديم وعد بتعديل نظام الانتخابات ومناقشته مع أحزاب المعارضة.
أدى هذا إلى اهتزاز موقف تلك الحركة الفلاحية المسلحة وفقدانها الكثير من المساندة الشعبية. ووجد هؤلاء أنفسهم فى ورطة.فإذا وافقوا على حلول الحكومة بشكل نهائي فقدوا قوتهم التفاوضية ودرجة المساندة الشعبية التي اكتسبوها، كما أنهم لا يستطيعون الانسحاب من المفاوضات بعد أن وافقوا عليها منذ البداية.
وقبل الانتخابات الرئاسية في أغسطس 1994 نظم الزاباتيستا مؤتمر قومي باسم المؤتمرالقومي الديمقراطي حيث ضم 6000 شخص من النشطاء.كان المؤتمر محاولة من الزاباتيستا للتأثير على صفوف اليسار قبل الانتخابات. ولكن جاء هذا المؤتمر ليكشف بوضوح عن الشكل الإصلاحي لحركة الزاباتيستا حيث تركزت كل مطالبهم على ضرورة تطبيق إصلاحات ديمقراطية دون أن تتطرق إلى تغييرات أكثر جذرية في النظام الاجتماعي والسياسي. وبينما هدد الزاباتيين قبيل الانتخابات بتفجير العنف إذا تم تزوير الانتخابات، فإن كل ما استطاعوا القيام به بعد إعلان النتيجة هو أنهم سوف "يقيمون نتائج الانتخابات".
وفي مايو 1995، تم التوصل لما سمي باتفاق الحد الأدنى، والذي يقضي بخفض التوتر العسكري في ولاية شيباس وانسحاب القوات الحكومية منها على أن يقوم المتمردين بحفظ القانون والنظام فيها (هذا الوضع الذي لا يبعد كثيرًا عن إعطاء بعض سلطات الحكم الذاتي للفلسطينيين).
نقطة الضعف الأساسية كانت في المنطق الذي كان يحكمهم منذ البداية وفي فهمهم لعملية الثورة. فهم كفلاحين فقراء كان همهم الأساسي ليس الثورة في المكسيك وإنما بالتحديد تحسين أوضاعهم في الجنوب لأنهم متأثرين بكونهم مجموعة من سكان البلاد الأصليين الذين يتم تجاهلهم وظلمهم.

4-أين كانت الطبقة العاملة منها؟
استطاعت الدولة على مدى سنوات أن تستوعب وتقضي على استقلالية الحركة العمالية المكسيكية. ولذلك لم تشهد المكسيك حركات عمالية ونقابات مستقلة نسبيًا إلا في مرحلة متأخرة. وفي سنوات الثمانينات والتسعينات اتبعت الحكومة سياسة وأد وعرقلة جميع الإضرابات في أماكن حدوثها وعدم تصعيدها. نجد أيضًا أن الحزب الحاكم الذي يقود البلاد منذ عام 1928 يسيطر تمامًا على منظمات الفلاحين والنقابات والجيش والصحافة والبوليس. ويدعم حزب العمل الديمقراطي (يمين الحزب الحاكم). وعلى الرغم من وجود 6 احزاب اشتراكية في المكسيك. لم تستطع هذه الأحزاب أن تقود الطبقة العاملة وأن تشكل البديل الثوري لانتفاضة الزاباتيستا. لم يقم اليسار كذلك بدور بارز لفضح الدور الذي تلعبه الحكومة المكسيكية في خدمة البرجوازية المكسيكية وآثار سياساتها على فقراء الجنوب. فالمعارضة اليسارية تنشط أثناء الانتخابات فقط، حتى أنها نجحت في انتخابات 1994 في تنظيم مظاهرة ضمت حوالي 50 ألف مكسيكي احتجاجًا على تزوير الانتخابات. يوضح ذلك كله، أنه بينما كانت الرأسمالية المكسيكية تزداد شراسة في قمع واستغلال الجنوب وكانت الحكومة تسيطر عن طريق النقابات على جزء كبير من الطبقة العاملة، لم يستطع اليسار المكسيكي أن يملأ الفراغ ويشكل بديل ثوري حقيقي أمام انتفاضة الزاباتيستا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق