الأحد، 21 مارس 2010

امريكا اللاتينية والثورة الغير مكتملة

انتقلت أمريكا اللاتينية بشكل كبير وسريع من التخطيط المركزى إلى آليات السوق خلال التسعينات. وقد قامت بعض الدول مثل الأرجنتين وبيرو والسلفادور برفع مستوى الحرية الاقتصادية لديها بشكل ملحوظ، خاصة من خلال تحرير التجارة والخصخصة والاستقرار النقدي ونظام الاستثمار الحر.

إلا أنه خلال نفس الفترة، شهدت المنطقة أزمة البيزو المكسيكية وانهيار الاقتصاديات الإكوادورية والفنزويلية وانتفاضة حرب عصابات الزاباتيستا وكذلك انهيار الريال في البرازيل.

سنستعرض فى الصفحات التالية بعض من النماذج لبلدان امريكا الاتينية وبعض الثورات الغير مكتملة .فقد اوضحت لنا السنوات الاخيرة المعنى المبهر للنضال الجماهيرى وقدراته على اسقاط اعتى العروش واقوى الانظمة .

وبالرغم من أنه لا يمكن القول أن انتفاضات أمريكا اللاتينية انجزت مهامها وتطورت إلى ثورات شاملة قادرة على وضع نهاية لنظام الاستغلال الرأسمالي، إلا أن أهميتها القصوى أنها تطرح طريقة أخرى في التفكير، هي أن الفقراء، وهم الأغلبية التي تعيش في بؤس بسبب استغلال الأقلية الغنية لها، قادرون على تغيير الأوضاع الظالمة لو تحركوا موحدين في نضال جماعي ضد الظلم.

وسنحاول معا القاء الضوء علي اهم الاحداث التي حدثت في بعض بلدان امريكا اللاتينية .


شيلي 1973:

إن شيلي التي كانت على مدى سنوات ثلاث محط أنظار وآمال الكثيرين ممن أمنوا بإمكانية بناء الاشتراكية من خلال الديمقراطية البرلمانية تحولت بين عشية وضحاها إلى كابوس مزعج ومشهد رعب مخيف. فماذا حدث؟

فى السنوات من (1964-1970) واجهت الحكومة فى شيلى بقيادة ادوارد فراى تصاعدًا كبيرًا في حدة الصراع العمالي.

. ففي بداية 1968، دعا اتحاد النقابات العمالية إلى الإضراب العام اعتراضًا على خطط فراي المتعلقة بحظر الإضرابات؛ وقد أدى نجاح الإضراب العام إلى إشعال نضالية الطبقة العاملة حيث وقع 1939 إضرابًا في 1968 شارك فيها 230725 عاملاً، ثم ارتفع العدد إلى 5259 إضرابًا في 1969 شارك فيها 316280 عاملاً. جاء هذا الصعود في الصراع الطبقي في مواجهة ارتفاع في الأسعار بلغ حوالي 50 % خلال عامي 1968 – 1969، فضلاً عن زيادة معدلات البطالة وازدياد الطابع القمعي للحكم.

كما بدأ فقراء المدن من العاطلين وأصحاب المهن الهاشمية في تنظيم أنفسهم والنضال من أجل حقوقهم في السكن والخدمات الأساسية.

في ظل هذا المد في الصراع الطبقي، جرت الانتخابات الرئاسية في 1970 وأسفرت عن فوز سلفادور الليندي. هو ممثل ائتلاف لستة أحزاب يسارية يدعى "الوحدة الشعبية". كان أهم حزبين في ائتلاف الوحدة الشعبية هما الحزب الاشتراكي، والحزب الشيوعي الشيلي. كان للحزبين جذور عميقة داخل صفوف الطبقة العاملة استطاعا تحقيقها عبر سنوات طويلة من النضال العمالي إلا أنهما في الوقت نفسه كانا حزبين إصلاحيين يستهدفها الوصول للسلطة من خلال صناديق الانتخابات وإقامة التحالفات الانتخابية.

لم يكن برنامج الوحدة الشعبية لسلفادور ثوريًا، بل كان يتكون من سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المحدودة. نص البرنامج على تأميم المصالح الصناعية والمالية الأساسية فى حين تركه غالبية المشروعات في أيدي القطاع الخاص. اعتزمت الوحدة الشعبية تأميم 150 شركة فقط من بين 3500 شركة صناعية في شيلي، ثم تم تخفيض هذا الرقم نفسه في وقت لاحق. أما في مجال الزراعة، فقد اعتزم الليندي استكمال برنامج 1967 للإصلاح الزراعي الذي كانت الحكومة السابقة قد تخلت عنه، وهو برنامج "معتدل" جدًا يجعل الحد الأقصى للملكية 500 فدان.

. ولكي يحصل الليندي على قبول وتأييد البرجوازية له، قام بعقد اتفاق سري مع الأحزاب اليمينية قبل تقلده مهام الرئاسة، ووقع بموجب هذا الاتفاق على ما يسمى "قانون الضمانات" وهي وثيقة تنص على أن حكومة الليندي ستحترم بنية الدولة ولن تمس الأدوات التي طورتها البرجوازية للدفاع عن مصالحها الطبقية – نظام التعليم، الكنيسة، وسائل الإعلام، والقوات المسلحة.

على الرغم من الطابع المعدل لإصلاحات الليندي، إلا أن البرجوازية رأت فيها تهديدًا سياسيًا خطيرًا – ليس بسبب مضمون الإصلاحات وإنما بسبب السياق الذي جرت فيه. فقد كان انتصار الليندي الانتخابي ثمرة لزيادة الثقة السياسية لدى الطبقة العاملة، كما أن هذا الانتصار بدوره أدى إلى زيادة أكبر في هذه الثقة. ففي السنة التالية لتولي الليندي السلطة في ديسمبر 1970) شهدت 1758 إضرابًا و1278 واقعة احتلال أراضي. ومن هنا بدأت البرجوازية تشعر بالخطر وشنت هجوم مضاد منظم ضد العمال والحكومة معا. تمثل هذا الهجوم في تصدير الرأسماليين الشيليين أقصى ما يستطيعون من رؤوس أموالهم وامتناعهم عن إعادة استثمارها في الداخل، فضلاً عن تعمد تخزين السلع مما خلق اختناقات اقتصادية شديدة.

ومع ذلك، فقد حافظ الليندي على مصداقيته لدى العمال خلال السنة الأولى لحكمه وذلك بسبب التحسن العام في الأحوال الاقتصادية.

تصاعد الاحداث والانقلاب العسكرى وغياب الحزب الثورى:

مع بداية السنة الثانية لحكومة الليندي، ظهرت تناقضات حكومته الشعبية على سطح الأحداث. وظهر في أوساط الحكم شقاق بين "اليمين" الداعي لوقف عملية الإصلاح وطمأنة البرجوازية، و"اليسار" الداعي لاستكمال برنامج الوحدة الشعبية وخاصة فيما يتعلق بالتأميم وتوسيع القطاع العام.

1- في مايو 1972 عُقد مؤتمر لعمال النسيج على المستوى القومي دعوا فيه للسيطرة العمالية على الصناعة وخضوع جميع المسئولين للمحاسبة من القواعد.

2- في يونيو 1972، ألقت السلطات القبض على 22 عضوًا قياديًا في منظمة العمال الزراعيين ببلدة ميليبيلا، في أعقاب مظاهرة فلاحية تطالب بإعادة توزيع الأراضي وفقًا لقانون الإصلاح الزراعي.

3- على أثر ذلك، اندلعت موجة من المظاهرات والإضرابات العمالية في منطقة سيريليوس الصناعية المجاورة تضامنًا مع نضال العمال الزراعيين. وقد أثمرت هذه الإضرابات شكلاً تنظيميًا جديدًا أبدعه عمال سيريليوس وهو "الحزام الصناعي" أو الكوردون* نشر الكوردون إعلانًا في يوليو يطالب بالسيطرة العمالية على الإنتاج واستبدال البرلمان بمجلس عمالي يحكم البلاد.

4- وفي أغسطس وسبتمبر 1973 وقعت صدامات عنيفة بين الجماهير والنظام في حي لوهير ميدو وهو أحد الأحياء الفقيرة في سانتياجو، ثم في إقليم بيوبيو عندما حاول المتظاهرون الدفاع عن محطة راديو حكومية ضد اعتداء يميني، فرد عليهم الليندي بإعلانه حالة الطوارئ في الإقليم.

5- بحلول شهر أكتوبر كانت فجوة كبيرة قد تنامت بين الحكومة من ناحية وبين العمال والفقراء الذين أتوا بها إلى السلطة من ناحية أخرى. وهنا قررت المعارضة اليمينية أن الوقت قد صار مناسبًا لإسقاط الليندي

6- في ذلك الشهر، قام أصحاب اللوريات بإضراب استهدف شل المواصلات في البلاد حظا بتأييد البرجوازية بصفة عامة حيث أعرب أصحاب المحلات عن تأييدهم له بغلق محلاتهم كما حاول أصحاب المصانع وقف الماكينات

7- أثناء هذا الصراع الذي امتد على مدى العشرين يومًا الأخيرة من أكتوبر، احتل العمال نسبة كبيرة من المصانع وغيرها من أماكن العمل كما انتشرت الكوردونات فى البلاد

8- قرر الليندي ضم العديد من الجنرالات لوزارته وأعلن حالة الطوارئ معطيًا بذلك السلطة الفعلية للجيش. وتحت ستار وقف البرجوازية عند حدها، كانت المهمة الحقيقية للجيش هي سحب المبادرة من أيدي الطبقة العاملة وإعادة المصانع المحتلة إلى أصحابها.

9- شهدت الشهور الستة الأولى من عام 1973 تصاعدًا كبيرًا في حدة الصراع، وصار الليندي يلعب أكثر فأكثر دور المتفرج على معركة البرجوازية والطبقة العاملة. وفي يونيو من ذلك العام تكررت أحداث أكتوبر 1972 بشكل أكثر كثافة. فقد وقع انقلاب عسكري يميني تصدى له العمال باحتلال المصانع وتشكيل اللجان التي تدافع عنها وتوسيع نطاق الكوردونات.وكان رد الليندى هو نفس رده فى اكتوبر 72.

الانقلاب العسكرى وغياب الحزب الثورى:

خلال يوليو وأغسطس 1973، كانت المجالس المستقلة التي أبدعها عمال شيلي، قد وصلت إلى درجة عالية من الخبرة والنضج. إلا أن غياب الحزب الثوري المغروس داخل صفوف الطبقة العاملة حال دون تمكن الكوردونات من تطوير إستراتيجية ثورية بديلة للإصلاحية المسيطرة على القيادات التقليدية للطبقة العاملة الشيلية – ائتلاف الوحدة الشعبية واتحاد النقابات الموالى له. وفي ظل إفلاس القيادة الإصلاحية وغياب البديل الثوري، كانت الأرض ممهدة للانقلاب الدموي الذي أطاح بحكومة الليندي والذي قاده الجنرال بينوشيه، أحد أعضاء حكومة الجنرالات التي شكلها الليندي في أغسطس. أدى انقلاب سبتمبر 1973 إلى حمام دم في شيلي لقد قتل 30 ألف شخص أغلبهم من المناضلين الاشتراكيين والنقابيين خلال الأثنى عشر شهرًا التالية للانقلاب، كما تعرض الآلاف للاغتصاب والتعذيب والموت جوعًا.

هناك تعليقان (2):

  1. مقال اكثر من رائع
    و تحليل اكثر من مبدع للثوره غير المكتمله ف تشيلي
    السؤال الاهم هو لماذا وقف الليندي ف منتصف الطريق و لم يستكمل مسار الثوره؟؟؟
    ف كل الاحوال كان سيصل للسلطه عن طريق الانتخابات سواء عقد اتفاقه السري مع البرجوازيه ام لا....اذن فلماذا وافق علي ان يحافظ علي مكتسبات الراسماليه رغم وجود القوي العماليه والفلاحيه معه
    شكرا جزيلا
    تحياتي

    ردحذف
  2. الرفيق يساري نوبي شكرا لاهتمامك
    كان الليندي ذو وجهة اصلاحية منذ البداية وليس لدية الحس الثوري فهو يؤمن بالاشتراكية الاصلاحية وليس الاشتراكية الثورية ولهذا قام بعقد الاتفاق السري مع البرجوازية ليضمن وصوله الي السلطة وليس للثورة علي البرجوازية والطبقية الموجودة فكان الهدف لديه هو الوصول الي السلطة وليس القضاء علي البرجوازية والطبقية في المجتمع ولذلك لم يكمل الطريق فهو لم يستطع اسقاط الطبقات المسيطرة وتغليب طبقات الشعب الدنيا فهذا ضد مفهوم الاصلاح
    ارجو ان اكون اجبت علي السؤال

    ردحذف