لقد قضت البرجوازية على نفوذ الأرستقراطية والنبلاء وذلك بإلغاء الأوقاف (أو ما يسمى بحق الإبن الأكبر) وجميع الامتيازات الإقطاعية. كما حطّمت سلطة البرجوازيين الصغار بالمدن عندما قامت بإلغاء كل التجمعات الحرفية وجميع امتيازاتها وصلاحياتها، وأحلّت محل ذلك نظام المنافسة الحرة الذي يسمح لكل فرد بأن يتعاطى النشاط الاقتصادي الذي يروق له ولا يمكن أن يُعيقه عن ذلك سوى عدم توفر رأس المال اللازم لهذا الغرض.
وهكذا كان إدخال المنافسة الحرة بمثابة الإعلان الرسمي بأن أفراد المجتمع ليسوا متفاوتين إلا بنسبة تفاوت راس مالهم وأصبح الرأسمال هو القوة الحاسمة والمحددة وبالتالي أصبح الرأسماليون البرجوازيون هم الطبقة الأولى في المجتمع.
ولكن بقيت المنافسة الحرة ضرورية، أول الأمر، لتطوير الصناعة الكبيرة بما أنها النظام الوحيد الذي يسمح لها بالنمو.وما إن غدت البرجوازية الطبقة الأولى على الصعيد الاقتصادي حتى أعلنت كذلك أولويتها على الصعيد السياسي. وقد تم لها ذلك بواسطة إدخال النظام التمثيلي القائم على أساس المساواة البرجوازية أمام القانون و الاعتراف بشرعية المنافسة الحرة. وهذا ما وقع إقراره في البلدان الأوروبية في شكل "نظام ملكي دستوري" حيث لا يتمتع بالحق الانتخابي إلا الذين يملكون رأسمال معين أي البرجوازيين وحدهم، وهكذا يرشح الناخبون البرجوازيون نوابا من بينهم يقومون باستخدام حقهم في رفض المصادقة على الضرائب لتنصيب حكومة برجوازية أيضا.
ثالثا: ومثلما سمحت الثورة الصناعية في كل مكان بنمو البرجوازية سمحت أيضا بنمو العمال. وكلما ازدادت البرجوازية غنى ازدادت الطبقة العاملة عددا وبما أن العمال لا يمكن تشكيلهم إلا بواسطة رأس المال وأن هذا الأخير لا يستطيع النمو إلا بتشغيل العمال فإذا تكاثر عدد العمال يزداد بارتباط وثيق مع تراكم رأس المال.كما أدت الثورة الصناعية أيضا إلى حشد البرجوازيين، تماما مثل العمال، في تجمعات كبيرة يمارس فيها الرأسماليون النشاط الصناعي بمزيد من الفوائد والأرباح، وتمكن العمال، بحكم تمركزها بأعداد هائلة في رقعة محدودة، من أن تدرك مدى قوتها.
ومن ناحية أخرى، كلما تطورت الثورة الصناعية، كلما وقع اختراع المزيد من الآلات الحديثة، الشيء الذي يؤدي إلى الاستغناء أكثر فأكثر عن العمل اليدوي. بحيث تسعى الصناعة الكبيرة – كما بينا سابق – إلى التخفيض من الأجر إلى حده الأدنى متسببة بذلك في تردي أوضاع العمال من سيئ إلى أسوأ. وهكذا تمهد الثورة الصناعية إلى قيام ثورة اجتماعية بقيادة الطبقة العاملة نتيجة تفاقم استياء وتذمر العمال من ناحية، وتعاظم قوتها من ناحية أخرى
لقد أوجدت الصناعة الكبرى، عبر الآلة البخارية وغيرها، وسائل زيادة الإنتاج الصناعي بسرعة فائقة وكلفة أقل إلى أقصى الحدود. وسرعان ما اكتسبت المنافسة، التي فرضتها الصناعة الكبرى، طابعا عنيفا جدا. وتهافت عدد ضخم من الرأسماليين على ممارسة النشاط الصناعي ولم يلبث أن أصبح الإنتاج يفوق بكثير ما يمكن استهلاكه. ولم تجد البضائع من يشتريها وتكدست السلع فكانت "الأزمة التجارية" واضطرت المصانع إلى التوقف عن العمل وأعلن الكثير من الصناعيين إفلاسهم ووجد العمال أنفسهم مهددين بالمجاعة وعم البؤس الرهيب كل مكان. وبعد فترة، بيعت كل السلع الزائدة عن الحاجة واستأنفت المصانع نشاطها وارتفعت الأجور شيئا فشيئا وعادت الأمور إلى مجراها الطبيعي، بل أحسن من أي وقت مضى. ولكن لم يدم ذلك طويلا، إذ سرعان ما أنتجت سلع زائدة عن الحاجة وحصلت أزمة جديدة اتخذت مسار سابقتها. وهكذا منذ بداية هذا القرن (التاسع عشر)، تأرجحت باستمرار الأوضاع الاقتصادية بين فترات الازدهار وفترات الأزمة، وبصفة شبه منتظمة، أي وبالتوزيع العادل لكل المنتوج وذلك بمقتضى اتفاق مشترك او ما يسمى بـ "اشتراكية الخيرات". بل إن إلغاء الملكية الخاصة هو التعبير الأوجز والأكثر دلالة عن ذلك التحول الشامل، الذي حتمه التطور الصناعي، في النظام الاجتماعي. ولهذا السبب يعتبر إلغاء الملكية الفردية المطلب الرئيسي بحق لكافة الشيوعيين.
ثانيا: إن الصناعة الكبيرة وما تتيحه من إمكانية لا متناهية لتوسيع الإنتاج، تفسح المجال لإحلال نظام اجتماعي سيبلغ فيه إنتاج وسائل العيش حدا يمكّن كل فرد في المجتمع من إمكانية تنمية قدراته ومؤهلاته الخاصة واستخدامها بكل حرية. بحيث أن الصناعة الكبيرة التي عودتنا على خلق الأزمات الاقتصادية ونشر البؤس في المجتمع الراهن، يمكن توظيفها بفضل تنظيم اجتماعي آخر في سبيل إلغاء البؤس وكل الأزمات. ومن هنا يتضح ما يلي
كلا. إن كل تحول في علاقات الملكية وكل تغير في النظام الاجتماعي هما النتيجة الضرورية لظهور قوى منتجة جديدة لم تعد تتلاءم مع علاقة الملكية القديمة. إذ هكذا برزت الملكية الفردية للوجود. ذلك أنها لم تكن موجودة منذ بدء التاريخ. وعندما انبثق في أواخر القرون الوسطى نمط جديد للإنتاج في شكل ماينفاكتورة، أخذ ينمو في تناقض تام مع الملكية الإقطاعية والحرفية السائدة آنذاك. وبحكم عدم ملاءمة الإنتاج المانيفاكتوري لعلاقات الملكية القديمة، ولد ذلك شكلا جديدا من أشكال الملكية هي الملكية الخاصة. وفعلا، فبالنسبة للمانيفاكتورة، كما بالنسبة للمرحلة الأولى من مراحل نمو الصناعة الكبرى، لم يكن ثمة من شكل ممكن للملكية غير الملكية الخاصة. كما لم يكن ثمة شكل مجتمعي ممكن غير المجتمع المرتكز أساسا على الملكية الخاصة. وطالما لم يكن بالإمكان إنتاج كمية من البضائع تكفي، لا فقط لسد حاجيات المجتمع، بل لإبقاء فائض معين منها يسمح بتراكم الرأسمال الاجتماعي وبتطوير القوى المنتجة، لا بد أن توجد طبقة مسيطرة تتصرف بالقوى المنتجة وطبقة أخرى فقيرة ومضطهدة. إن تركيبة كل هاتين الطبقتين وطابعهما يتوقفان على درجة تطور الإنتاج. فمجتمع القرون الوسطى، القائم على زراعة الأرض، يعطينا السيد الإقطاعي والقن. وفي نهاية القرون الوسطى تعطينا المدن المعلم الحرفي والصانع والعامل اليومي. ويعطينا القرن السابع عشر صاحب المانيفاكتورة والعامل. والقرن التاسع عشر، الصناعي الكبير (البرجوازي) والبروليتاريا.وهكذا يتضح أن القوى المنتجة لم تبلغ بعد بما فيه الكفاية درجة من النمو تمكنها من إنتاج ما يكفي الجميع وتجعل من الملكية الخاصة عبئا وعائقا لنموها. أما اليوم: إثر نمو الصناعة الكبيرة، أنشأت الرساميل وتطورت القوى المنتجة على نحو لم يسبق له مثيل وتوفرت الوسائل الضرورية للزيادة سريعا في القوى المنتجة إلى ما لا نهاية له تمركزت القوى المنتجة أكثر فأكثر بين أيدي حفنة من البرجوازيين، بينما يُـقذف بالأغلبية الكبرى من الشعب إلى مصاف العمال التي يغدو وضعها أشد بؤسا وأصعب احتمالا في الوقت الذي تتضاعف فيه ثروات البرجوازيين .تضاعفت القوى المنتجة بسهولة كبيرة مما جعلها تتجاوز إطار الملكية الخاصة والنظام البرجوازي إلى حد أنها أصبحت تثير بلا انقطاع أعنف الاضطرابات الخطيرة على النظام الاجتماعي. اليوم إذن والحالة تلك، فإن القضاء على الملكية الخاصة لم يعد فقط ممكنا بل أصبح ضروريا على الإطلاق.
16. هل يمكن إزالة الملكية الخاصة بالطرق السلمية ؟
حبذا لو كان ذلك ممكنا، وسيكون الشيوعيون بالتأكيد هم آخر من يشتكي من ذلك، لأنهم يدركون جيدا أن التآمر مهما كان ليس فقط عديم الجدوى بل ضار أيضا. كما أنهم يعلمون تمام العلم أن الثورات لا تقوم اعتباطا أو على إثر مرسوم، بل إنها كانت في كل مكان وزمان نتيجة حتمية لظروف مستقلة كليا عن إرادة وقيادة الأحزاب وحتى الطبقات بأسرها. ولكن الشيوعيين يرون من جهة أخرى أن نمو الطبقة العاملة يصطدم في جميع البلدان المتحضرة تقريبا بهجمة قمعية شرسة وأن خصوم الشيوعيين أنفسهم يساهمون بذلك في قيام الثورة بكل ما أوتوا من قوة. ولما كان ذلك يدفع في نهاية الأمر الطبقة العاملة المضطهدة إلى الثورة فإننا نحن الشيوعيون سندافع آنذاك عن قضية العمال بالفعل وبكل حزم مثلما ندافع عنها حاليا بالكلمة
17.
هل يمكن إزالة الملكية الخاصة دفعة واحدة ؟
كلا. مثلما لا يمكن تنمية القوى المنتجة الموجودة حاليا دفعة واحدة بطريقة تجعل بالإمكان إقامة اقتصاد جماعي مشترك بين عشية وضحاها، فكذلك الثورة العمالية، التي تشير كل الدلائل إلى اقترابها، لا تستطيع سوى تحويل المجتمع تدريجيا. ولن يكون في وسعها إلغاء الملكية الخاصة بصفة نهائية إلا بعد توفر الكمية الضرورية من وسائل الإنتاج.
18. ما هو المسار الذي ستسلكه هذه الثورة ؟
بادئ ذي بدء ستركز الثورة نظاما ديمقراطيا مكرسة بالتالي سيطرة الطبقة العاملة سياسيا بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
بصفة مباشرة في إنجلترا حيث تشكل الطبقة العاملة غالبية الشعب وبصفة غير مباشرة في فرنسا وألمانيا حيث الأغلبية مكونة لا فقط من العمال بل أيضا من صغار الفلاحين والبرجوازيين الصغار الذين لا يزالون بعد بصدد التحول إلى عمال والذين يتزايد ارتباطهم بالعمال خاصة فيما يتعلق بتحقيق مطالبهم السياسية، وبالتالي يتعين عليهم الانضمام فورا إلى مطالب الطبقة العاملة. وقد يقتضي الحال خوض مرحلة جديدة من النضال لا بد أن تتوج بانتصار الطبقة العاملة.
ولا يمكن أن تكون الديمقراطية ذات جدوى بالنسبة للطبقة العاملة إذا لم تستخدمها مباشرة لاتخاذ إجراءات شاملة تقتضي المس من الملكية الخاصة وتكفل وجود الطبقة العاملة ذاتها.
ولعل أهم هذه الإجراءات، كما تمليها بالضرورة الأوضاع الراهنة، هي التالية.
1 – الحد من الملكية الخاصة بواسطة الضرائب التصاعدية على الدخل والضرائب المرتفعة على الإرث. إلغاء حق الإرث بالنسبة للحواشي (الاخوة وأبناء الخال) الخ...
2 – المصادرة التدريجية لأملاك كبار العقاريين والصناعيين وأصحاب خطوط السكك الحديدية والبواخر وذلك بواسطة منافسة القطاع العام في الصناعة من جهة وبواسطة المصادرة المباشرة مقابل تعويضات معينة من جهة أخرى.
3 – مصادرة أملاك جميع المهاجرين والمتمردين ضد مصلحة غالبية الشعب.
4 – تنظيم العمل وتشغيل العمال في ممتلكات ومصانع ومؤسسات الدولة مما يقضي على تنافس العمال فيما بينهم ويضطر ما تبقى من الرأسماليين على دفع أجور مرتفعة مساوية لما تدفعه الدولة.
5 – إلزامية العمل لجميع أفراد المجتمع حتى القضاء التام على الملكية الخاصة. تكثيف حشود المشتغلين بالصناعة وخاصة لخدمة أغراض الأنشطة الفلاحية.
6 – مركزة نظام القروض وتبادل العملة في أيدي الدولة وذلك بواسطة إنشاء بنك وطني ذي رأسمال حكومي وإلغاء كل البنوك الخاصة.
7 – مضاعفة عدد المصانع والمشاغل والسكك الحديدية والسفن التابعة للقطاع العام واستصلاح الأراضي المهملة وترشيد استغلال الأراضي الفلاحية وبذلك تقع الزيادة في الرساميل وتنمو القوى العاملة بالبلاد.
8 – تعليم جميع الأطفال في مؤسسات الدولة وعلى نفقتها منذ أن يصبح بإمكانهم الاستغناء عن عناية أمهاتهم (التنسيق بين التعليم والعمل الصناعي).
9 – بناء مجمعات في الصناعة أو الفلاحة مع الحرص على توفير جميع إيجابيات الحياة في كل من المدينة والريف مع التخلص من سلبياتها.
10 – تهديم جميع المساكن والأحياء غير الصحية والسيئة البناء.
11 – تمتيع الأبناء الشرعيين وغير الشرعيين بنفس حقوق الإرث.
12 – مركزة جميع وسائل النقل في أيدي الدولة.
طبعا لا يمكن تطبيق كل هذه الإجراءات دفعة واحدة، ولكن كل إجراء يجر حتما إلى تطبيق الإجراء الموالي. إذ يكفي أن يقع المساس بصفة جذرية بالملكية الخاصة حتى تجد الطبقة العاملة نفسها مدفوعة إلى المضي قدما وإلى تعزيز مركزة الرساميل والصناعة والفلاحة والنقل والمبادلات بين أيدي الدولة
ذلك هو الهدف الذي تصبو إليه كل هذه الإجراءات. وبقدر ما تتعاظم وتنمو قوى الإنتاج بقدر ما تصبح هذه الإجراءات قابلة للتطبيق وتؤدي دورها الممركز وبفضل عمل ومجهود العمال.
وأخيرا عندما يتحقق تمركز رأس المال والإنتاج والمبادلات بيد الدولة تسقط الملكية الخاصة من تلقاء نفسها وتصبح النقود بلا أي قيمة ويتضاعف الإنتاج ويتخير الناس على نحو يصبح معه من الممكن إزالة ما تبقى من علاقات المجتمع القديم.
19. هل سيكون من الممكن لهذه الثورة أن تقع في بلد واحد فقط ؟
لا. بخلق السوق العالمية، تكون الصناعات الكبرى قد جعلت كل شعوب الأرض، خاصة الشعوب المتحضرة، في علاقات قريبة فيما بينها مما لا يمكّّن إحداها من أن تكون مستقلة عما يجري للأخرى.
كما أنها أوثـقت التطور الاجتماعي للشعوب المتحضرة لدرجة أنه في كل منها، أصبحت الطبقة البرجوازية وطبقة البروليتاريا هما الطبقاتان الحاسمتان، وأصبح الصراع بينهما هو الصراع المرحليّ الكبير. هذا ما يجرّ إلى أن الثورة الشيوعية لن تكون مجرد ظاهرة قومية بل يجب أن تقع في نفس الوقت في كل البلدان المتحضرة. هذا يعني، على الأقل في إنجلترا وأمريكا وفرنسا وألمانيا.
ستتطور في كل هذه البلدان بسرعات متفاوتة حسب تطور الصناعة والثروة وأهمية
كتلة القوى المنتجة. من هنا، ستبدأ بطيئة ثم ستواجه أكثر العراقيل في ألمانيا، وبأكثر سرعة وبأقل عراقيل في إنجلترا. وسيكون لها مفعول قوي على بقية بلدان العالم، وستغير جذريا مسار التطور الذي كانت تتبعه حتى الآن متجاوزة رقعتها.
20. ما هي نتائج إلغاء الملكية الخاصة ؟
إن انتزاع جميع القوى المنتجة وكل وسائل النقل وتبادل وتوزيع المنتجات من أيدي الرأسماليين الخواص وتسييرها حسب خطة مضبوطة للموارد والحاجات المشتركة يمكن المجتمع قبل كل شيء من القضاء على العواقب الوخيمة المرتبطة بالنظام الحالي لإدارة وتسيير الصناعة الكبيرة. وستختفي جميع الأزمات وسيصبح الإنتاج الواسع غير كاف لسد حاجيات المجتمع، بعد أن كان سببا هاما من أسباب البؤس، بل ينبغي توسيعه أكثر فأكثر. وبدلا من التسبب في إحلال البؤس سيمكن فائض الإنتاج الواسع من تلبية حاجيات الجميع بل سيخلق حاجات جديدة مع وسائل تلبيتها في نفس الوقت.
كما سيكون فائض الإنتاج هذا شرطا من شروط إحراز خطوات جديدة على درب التقدم وسببا من أسبابه دون أن يلقى بالمجتمع بصفة دورية في دوامة الاضطرابات مثلما هو الشأن إلى حد الآن.
وبتحررها من نير الملكية الخاصة ستشهد الصناعة الكبيرة توسعا هائلا إلى درجة أن توسعها الراهن سيبدو ضئيلا في مثل ضآلة المانيفاكتورة إذا ما قيست بالصناعةالكبيرة والحديثة. وسيوفر تطور الصناعة الكبيرة للمجتمع مقادير من المنتوجات تكفي لسد حاجيات الجميع. أما الفلاحة فبعد أن تعذر عليها الاستفادة من التحسينات والاختراعات العلمية الجديدة من إجراء نظام الملكية الخاصة ولتجزئة (الإرث) فإنها سوف تشهد انطلاقة جديدة وتوفر للمجتمع كمية كافية من المنتوجات الفلاحية. وهكذا سيصبح بإمكان المجتمع إنتاج ما يكفي لتنظيم التوزيع بما يؤمن تلبية حاجيات جميع أفراده. وبذلك سيصبح انقسام المجتمع إلى مختلف الطبقات المتعارضة أمرا لا مجال له. وليس هذا فحسب، بل وغير متطابق مع النظام الاجتماعي الجديد، وبما أن وجود الطبقات ناجم عن تقسيم العمل نفسه وبأشكاله الحالية، سيختفي نهائيا. ذلك أن رفع الإنتاج الصناعي والفلاحي إلى المستوى المذكور لا يتطلب الوسائل الميكانيكية والكيميائية فقط، ولكن يتطلب أيضا الرفع من مستوى الأشخاص الذين يستعملون هذه الوسائل بنفس الدرجة. وكما غير عمال المانيفاكتورة والفلاحون من طريقة عيشهم وتغيروا هم أنفسهم منذ انخراطهم في حلبة الصناعة الكبيرة، فإن التسيير الجماعي للقوى المنتجة وما ينجر عنه من نمو مطرد لمجمل الإنتاج سيحتم بل سيخلق أناسا اليوم. ولا يمكن تأمين هذا التسيير الجماعي بواسطة أناس مرتبطين أشد الارتباط بفرع معين من الإنتاج مكبلين به، مستغلين من طرفه، عاجزين عن تنمية أكثر من موهبة واحدة من مواهبهم على حساب مداركهم الأخرى وغير مستوعبين سوى فرع واحد من فروع الإنتاج، بل جزء صغير جدا من ذلك الفرع. إن الصناعة الكبيرة أصبحت حاليا في غنى أكثر عن مثل هؤلاء الناس. أما الصناعة المسيرة جماعيا، حسب مخطط تضبطه المجموعة بأسرها، فإنها تفترض توفر أناس ذوي كفاءات عالية ومتطورة في كل المجالات والقادرين على الإحاطة بمجمل نظام الإنتاج والسيطرة عليه. وسيختفي نهائيا تقسيم العمل الذي قوضته المكننة بعد أن تحول البعض إلى فلاح والبعض الآخر إلى إسكافي والثالث إلى عامل والرابع إلى مضارب في البورصة
وسيتيح نظام التعليم لجميع الشبان إمكانية استيعاب مجمل نظام الإنتاج بصفة سريعة وعملية وسيمكنهم من الإنتقال من فرع إلى آخر حسب حاجيات المجتمع أو حسب ميولاتهم الشخصية وسيتحررون بالتالي من الطابع الأحادي الذي يفرضه عليهم التقسيم الحالي للعمل. وهكذا يتيح المجتمع المنظم على أساس قواعد شيوعية لأفراده إمكانية استخدام مواهبهم المصقولة على نحو متناسق في جميع المجالات وتكون النتيجة زوال الفوارق الطبقية. كما سيزول، بإزالة الملكية الخاصة، التناقض الموجود بين المدينة والريف. وتعتبر ممارسة نفس الأشخاص عوضا عن مختلف الطبقات للنشاط الصناعي والفلاحي هي إحدى الشروط الضرورية لتركيز التنظيم الشيوعي، على الأقل لأسباب مادية بحتة. إن تشتت السكان الريفيين وتجمع السكان الصناعيين في المدن ظاهرة تمثل مرحلة متدنية من مراحل تطور الفلاحة والصناعة وتشكل عقبة هامة أمام التقدم بدأنا نشعر به منذ الآن. وأخيرا، إن النتائج الرئيسية لإلغاء الملكية الفردية هي التالية :
– تكاتف جميع أفراد المجتمع من أجل الاستغلال الجماعي والعقلاني للقوى المنتجة.
تزايد الإنتاج بمقادير كافية لتلبية حاجيات الجميع.
إلغاء الوضعية التي بمقتضاها يشبع البعض حاجاتهم على حساب الآخرين.
– إزالة الطبقات والفوارق الطبقية بصفة نهائية.
– تنمية مؤهلات ومواهب جميع أفراد المجتمع بفضل إلغاء تقسيم العمل كما عرفناه لحد الآن وبفضل نظام التعليم المرتكز على العمل وبفضل تنويع النشاطات التي يتعاطاها الناس وتشريك الجميع في التمتع بالخيرات المبدعة من قبل الجميع وكذلك بفضل إدماج المدينة بالريف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق