الاثنين، 2 نوفمبر 2009

الإمبريالية

شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عودة للاستعمار المباشر في منطقتنا ليس فقط بالاحتلال الأمريكي للعراق
بل بتشييد القواعد العسكرية في غالبية دول المنطقة. وبعد أن كان الحديث مع نهاية الحرب الباردة عن نهاية عصر الحروب
والاستعمار، أصبح الآن الحديث عن حرب عالمية دائمة ضد "الإرهاب". كيف لنا أن نفهم هذا الهجوم المسعور؟ هناك من
يطرح أن ما يحدث هو حرب ضد الإسلام أو مجرد الرضوخ لمؤامرات الصهاينة. ولكن الاشتراكية تطرح رؤية مغايرة لفهم ما يحدث. رؤية تطورت على أساس فهم تاريخي مادي لعلاقة الحرب والاستعمار بالنظام الرأسمالي العالمي في مراحله المختلفة. وسنحاول في السطور التالية تقديم عرضًا موجزًا لهذه الرؤية .
تقوم الرأسمالية على التنافس بين الشركات. كل شركة تحتاج إلى أن تعمق من استغلال عمالها لتستخرج أكبر فائض
ممكن وتستثمر الجزء الأكبر من ذلك الفائض في تطوير وتوسيع قاعدتها الإنتاجية لتزيد من الإنتاج وتقلل من التكلفة حتى
تستطيع التنافس مع الشركات الأخرى في السوق، وهو ما يؤدي إلى اتساع حجم الشركات.
ومن ناحية أخرى، يعاني النظام الرأسمالي من أزمات دورية تؤدي إلى إفلاس الشركات الأصغر والأضعف وإلى
ابتلاعها من قبل الشركات الأكبر. وبمرور الوقت يسفر هذا الوضع عن سيطرة عدد صغير من الشركات العملاقة على
قطاعات كاملة من الاقتصاد، وإلى حدوث تداخل وتشابك واندماج بين هذه الشركات والبنوك الكبرى.
الامبريالية في النصف الأول من القرن العشرين
أدت هذه التطورات مع بداية القرن العشرين إلى تداخل واندماج متنامي بين الشركات الرأسمالية الكبرى والدولة القومية
التي بدأت توسع من أدوارها في دعم وتنسيق وتنظيم رأسماليتها على المستوى القومي. ونتج عن ذلك تغيير هام في طبيعة
التنافس الرأسمالي نفسه. فالاقتصاديات الكبرى تحتاج إلى التوسع العالمي بحثا عن المواد الخام والأسواق ومجالات الاستثمار، مما شكل الدافع الرئيسي للتوسع الاستعماري للقوى الأوروبية في أفريقيا وآسيا في نهايات القرن التاسع عشر. وبدأ التنافس الرأسمالي آنذاك يتحول من تنافس اقتصادي بين الشركات إلى تنافس عسكري وسياسي بين الدول القومية الكبرى..
شكلت هذه التطورات قوة الدفع الأساسية وراء الحروب الكبرى خلال القرن العشرين، حيث اندلعت الحروب بين القوى
الإمبريالية المتصارعة بهدف إعادة تقسيم العالم فيما بينها. أسفر ذلك عن تنامي دور وحجم الدولة القومية على المستوى
الاقتصادي، ووصل إلى قمته خلال الحرب العالمية الثانية. حيث اندمجت الدولة مع رأس المال في شكل رأسماليات الدولة
القومية. هذا ما أتاح للدولة التدخل المباشر في توجيه الاقتصاد القومي، وهو ما دعت إليه الحاجة لتنظيم اقتصاد الحرب.
كان العالم خلال الفترة ما بين ١٨٧٥ - ١٩٤٥ متعدد الأقطاب على المستوى السياسي والاقتصادي. فلم تعد بريطانيا
هي الدولة الصناعية الوحيدة خلال غالبية القرن التاسع عشر. ونتيجة لتطور السكك الحديدية والبواخر والصناعات الحديثة،
ومن بينها صناعة السلاح، ظهر مفهوم "تصنيع الحرب". وأصبحت القوة العسكرية لأي دولة ترتبط بمستوى التصنيع. وخلال هذه الفترة أيضا شهد العالم توسعا استعماريا كبيرا، فالرأسمالية الاحتكارية كانت في حاجة للخروج من حدود دولتها المحلية، واندفعت في نزاع من أجل تقسيم العالم، وقد تركز هذا النزاع على المنافسة على المواد الخام والأسواق. وارتفع حجم المستعمرات الأوروبية من ٤,٣ مليون كلم مربع و ١٤٨ مليون نسمة عام ١٨٦٠ ، إلى ٤٦ مليون كلم مربع و ٥٦٨ مليون نسمة عام ١٩١٤ ، ولم يكن هذا التقسيم قد وصل إلى نهايته، فمعظم منطقة الشرق الأوسط على سبيل المثال كانت تحت الحكم العثماني، ولم تكن بريطانيا وفرنسا قد اقتسماها حتى أواخر الحرب العالمية الأولى.
أدى الاندماج بين الدولة ورأس المال إلى اشتعال الحروب الإمبريالية. فأصبحت النزاعات الاقتصادية بين الكتل
الرأسمالية القوية لا تحل إلا من خلال اختبار القوة العسكرية فيما بينها. وتم تحويل كل الموارد التي تحتاجها الدولة في الحرب الشاملة، فتحول الاقتصاد إلى تنظيم تابع لسيطرة الدولة. وخلال هذه الفترة، قامت الرأسمالية بنهب منظم للمستعمرات، ولكنها في نفس الوقت أدخلت النظام الرأسمالي في الإنتاج إلى تلك المستعمرات. فقد قامت بريطانيا مثلا بنهب منظم لثروات الهند، ولكنها أيضا أدخلت السكك الحديدية والطرق وبعض الصناعات لخدمة مصالح بريطانيا، مما أدخل الهند في النظام الرأسمالي وخلق بدايات رأسمالية وطبقة عاملة هندية، وقد حدث نفس التطور بالنسبة لمصر خلال الاستعمار البريطاني لها منذ عام 1882
وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

إمبريالية القوى العظمى (1945 - 1990)
مع نهاية الحرب العالمية الثانية شهد النظام الإمبريالي العالمي تحولا كبيرا. فقد أنهكت الحرب القوى الرأسمالية
التقليدية. وقد طال الإنهاك كل من المنتصرين والمهزومين: بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، اليابان، وإيطاليا. على جانب آخر خرجت الولايات المتحدة من الحرب وهي قوة عظمى ذات اقتصاد قوي مزدهر يسيطر على نسبة كبرى من الإنتاج العالمي. أما الاتحاد السوفيتي، الذي كان قد تحول تماما على يد ستالين من دولة عمالية اشتراكية إلى نظام رأسمالية دولة في الثلاثينات، فقد استطاع أن يخرج من الحرب كثالث أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد كونت الكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة حلف الناتو (شمال الأطلنطي)، بينما شكلت الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي، حلف وارسو، وأصبح العالم نتيجة لذلك ثنائي القطبية على المستوى السياسي، ولكنه ظل متعدد الأقطاب على المستوى الاقتصادي. فالمنافسة الاقتصادية ظلت قائمة، بينما انتهت النزاعات العسكرية بين الدول المنتمية إلى نفس الكتلة.
وبينما كانت الولايات المتحدة تعتمد بالأساس على قوة اقتصادها في السيطرة على المعسكر الغربي، فإن الاتحاد
السوفيتي قد أعتمد على قوته العسكرية التي بناها على حساب معيشة جموع العمال والفلاحين في إطار سباق التسلح مع القطب الأمريكي. وتكرست على هذا الأساس مرحلة جديدة من مراحل الإمبريالية العالمية هي مرحلة الحرب الباردة. ونظرا للأنتعاش الاقتصادي الطويل الذي ساد الاقتصادي العالمي في الفترة من الأربعينات وحتى السبعينات، فقد اتسمت هذه المرحلة بوجود مساحة اقتصادية واسعة تدور داخلها المنافسة بين الرأسماليات دون أن يؤدي ذلك إلى صراعات عسكرية كبرى من النوع الذي كان مزمنا قبل ١٩٤٥ . وهكذا رأينا العالم منقسما إلى كتلتين تتنافسان على السيطرة على العالم في ظل ردع نووي مرعب لا مجال فيه لخوض حروب عالمية.لم تشهد المنافسة الإمبريالية بعد ١٩٤٥ حروبا بين الدول العظمى، ولكن الحروب استمرت مع ذلك على أطراف النظام. فقد نشب ما يقرب من ٨٠ حربا بعد عام ١٩٤٥ ، راح ضحيتها ما بين ١٥ و ٣٠ مليون شخص. بيد أنه حدث خلال الحرب الباردة تغيرا هاما في التوازن الاقتصادي بين الدول الرأسمالية الكبرى. ففي حين كانت الولايات المتحدة غارقة في الإنفاق العسكري الكبير وسباق التسلح، استطاعت الدول الأوروبية واليابان، وهي تحت الحماية العسكرية الأمريكية، أن تركز استثماراتها في الصناعات المدنية، وبالتالي أن تضاعف معدلات نموها وصادراتها. نتج عن ذلك في نهاية الستينيات انخفاض حاد في التفوق الاقتصادي النسبي الأمريكي، مما انعكس في انخفاض قيمة الدولار أمام الين الياباني والمارك الألماني، وأدى هذا بالتضافر مع عوامل أخرى إلى اندلاع أزمات جديدة في النظام العالمي مع بداية السبعينيات.
وقد شهدت أيضا فترة ما بعد الحرب نموا متزايدا لما يسمى اليوم "العولمة الرأسمالية". فالشركات المتعددة الجنسية
استطاعت إعادة تنظيم عملياتها الإنتاجية على المستوى العالمي، وأصبحت التجارة العالمية في السلع الصناعية تستحوذ على
نسب متنامية من الدخل القومي للدول الرأسمالية الكبرى، وزادت الأسواق المالية من قدرتها على تحريك الأموال عبر الحدود الدولية. هذا السياق الذي اتخذته الرأسمالية الحديثة في تطورها خلق وعمق مع الوقت تناقضا رئيسيا ما بين تركيز رأس المال على النطاق القومي، وبالتالي ارتباطه الوثيق بالدولة القومية، وبين عولمة النظام من خلال الشركات متعددة الجنسية والتجارة العالمية واندماج الإنتاج على النطاق العالمي. والحقيقة أن هذا التناقض هو قوة الدفع الرئيسية للحروب خلال القرن الماضي والحالي. فقد كانت السمة الأساسية لهذه المرحلة هي تدويل رأس المال، وزيادة أهمية التجارة العالمية، وخلق دوائر مالية عالمية لا تستطيع الدول لقومية السيطرة عليها. فلم تعد الدول القومية قادرة على السيطرة على حركة رأس المال، وكانت أكثر الدول التي تأثرت سلبا بهذه التطورات هي البلدان التي تلعب فيها الدولة دورا كبيرا في عملية الإنتاج الرأسمالي، مثل الاتحادالسوفييتي وأوروبا الشرقية.
الإمبريالية بعد الحرب الباردة
في إحدى المرات عبر برجينسكي وقد كان مستشار الأمن القومي لكارتر وأحد أهم مستشاري إدارة كلينتون عن
منطق الاستراتيجية الأمريكية في حقبة ما بعد الحرب الباردة فيما أسماه "الأهداف الأساسية الكبرى للإستراتيجية الإمبريالية"، وهي "الحفاظ على الأمن بين الدول العميلة للإمبريالية الأمريكية، مع منع التقارب والتعاون المباشر بينها، وتقوية التعددية الجيوسياسية على الخريطة الآسيوية/ الأوروبية من خلال المناورة لمنع ظهور تحالف معادي يستطيع مع الوقت تحدي الهيمنة الأمريكية."
لكن مع مطلع القرن الجديد تفاقمت المعضلات التي تعيق الولايات المتحدة عن تحقيق مشروعها الإمبريالي. فمن جانب
هي تملك قدرة وتفوق عسكريين بعيدي المنال بالنسبة لأي متنافسين في الوقت الحالي أو في المستقبل المنظور، لكن من جانب آخر هي لا تملك القدرة الاقتصادية على إعادة بناء الاقتصاد العالمي الذي يعاني من ركود عنيف في مراكز النظام (ومدمر في أطرافه). يختلف هذا الوضع اختلاًفا واضحا عما كان عليه الأمر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ففي ١٩٤٥ كانت الولايات المتحدة تنتج أكثر من نصف الإنتاج الصناعي العالمي إلى جانب امتلاكها لأقوى قدرات عسكرية، مما مكنها ليس فقط من الهيمنة عسكريا على العالم الغربي وعلى مناطق النفوذ التي فقدتها القوى الاستعمارية القديمة (بريطانيا وفرنسا)، لكن أيضا من الهيمنة الاقتصادية شبه المطلقة وإعادة بناء أوروبا واليابان. ولقد استطاعت الإمبريالية الأمريكية من الحفاظ على هيمنتها خلال الحرب الباردة، فكان هناك قبولا أوروبيا ويابانيا تاما لهذه الهيمنة في مقابل الحماية التي توفرها لهم ضد التهديد السوفيتي، بالإضافة لقيامها بتأمين وتمويل الاستقرار والنمو الاقتصادي لأوروبا واليابان طوال تلك الفترة.
لكن مع نهاية الحرب الباردة بدأت التناقضات في الظهور، فمن جانب اختفى التهديد السوفيتي وتنافسه الاستراتيجي مع
الولايات المتحدة وحلفائها. ولم تعد البلدان الأوروبية واليابان في نفس الحاجة للحماية العسكرية الأمريكية وبالتالي لقبول
أولويات الإمبريالية الأمريكية على المستوى الاستراتيجي. ومن جانب آخر تغيرت الخريطة الاقتصادية للعالم، ففقدت الولايات المتحدة تفوقها المطلق وأصبحت تنتج أقل من ٢٥ % من إجمالي الناتج العالمي، بينما تنتج بلدان الاتحاد الأوروبي نفس النسبة تقريبًا، وتنتج اليابان وحدها أكثر من نصف هذه النسبة. هذا التضاؤل النسبي للقوة الاقتصادية الأمريكية يتناقض بحدة مع قدرتها العسكرية المتزايدة. فالولايات المتحدة مسئولة وحدها عن ٣٦ % من الإنفاق العسكري العالمي. ويتزايد هذا الإنفاق بمعدلات سريعة جدًا، فقد وصل إلى ٣٠٤ بليون دولار عام 2000، وزاد إلى ٣٥١ بليون دولار عام 2001 ، وتم اعتماد ٣٩٦ بليون دولار لعام ٢٠٠٣ ، وقد تجاوز ٤٧٠ بليون دولار عام ٢٠٠٧ ! هذا التناقض الحاد ما بين القدرات الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة هو ما يخلق المعضلة الرئيسية أمام مشروعها الإمبريالي. من هنا يمكن أن نفهم التحولات في السياسة الأمريكية للتوسع وفرض السيطرة والنفوذ عن طريق الحروب العسكرية المباشرة.
النفط وسياسات الإمبريالية الأمريكية
خلال الفترة الممتدة بين 1940 - 1967 استطاعت الشركات الامريكية أن تزيد من حصتها في احتياطي بترول الشرق الأوسط من ١٠ % إلى ٦٠ %، بينما تضاءلت حصة الشركات البريطانية من ٧٢ % إلى ٣٠ % في نفس الفترة. وليس هناك
مجالا للشك في أن النفط هو العامل الاستراتيجي الأهم في تحديد سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فإلى جانب
الأرباح المباشرة التي تجنيها شركات النفط الأمريكية بفعل استغلالها للنفط في المنطقة، فمن المهم أيضا ملاحظة أن لدى
الولايات المتحدة ٢% فقط من احتياطي النفط العالمي في حين أنها تستهلك ٢٥ % من إنتاج النفط العالمي سنويا. ومن ثم فأن
هذا الوضع يدفعها بشكل دائم لمحاولة السيطرة على منابع النفط العالمي وتأمينها.
وفيما يتعلق بالعراق فإنه يمكن إدراك مدى أهمية قدراته النفطية بالنظر إلى أن الأراضي العراقية تحتوي على ١٠٠
بليون برميل بترول احتياطي، أي ما يمثل ١٢ % من احتياطي النفط العالمي. وحتى وقتنا الحالي، يوجد ٧٣ حقل بترول
مكتشف حتى الآن، بينما لا يتم الانتفاع حاليا سوى بثلث هذه الحقول. وقدرت وزارة الطاقة الأمريكية أن هناك نحو ٢٢٠
بليون برميل في شكل احتياطيات لم يتم اكتشافها بعد، وهو ما يعني أن إجمالي النفط العراقي يكفي استهلاك الولايات المتحدة
من النفط بالمعدلات الحالية لمدة ٩٨ عاما. وقد بدأت الشركات النفطية الأمريكية الكبرى الاستعداد للعودة إلى العراق وإيران. وكما صرح رئيس أحدها لجريدة نيويورك تايمز في شهر أكتوبر ٢٠٠٢ "لقد دخلنا قطر وعمان للحصول على موطئ قدم في الشرق الأوسط.. نحن نحتاج أن يكون لنا وضع في الشرق الأوسط استعدادا لحين عودة العراق وإيران إلى عائلة الأمم."
إن الحرب الامبريالية في العراق والتحضير لحصار وضرب إيران وما يسمى الحرب على الإرهاب هي أجزاء مفصلية
من الاستراتيجية الأمريكية لفرض الهيمنة، ليس فقط بالتحكم في منابع البترول، بل بالاستعداد للمرحلة القادمة من التنافس
العسكري والحروب الكبرى والتي ستفرض نفسها علي المسرح العالمي مع التضاؤل النسبي للاقتصاد الأمريكي والصعود
السريع لقوي عالمية أخري مثل الصين المتعطشة للطاقة والمواد الخام والأسواق والنفوذ.
ندخل اليوم ونحن نقارب نهاية العقد الأول من القرن العشرين أخطر مراحل تطور المنظومة الامبريالية. فالحروب
الآتية لن يحكمها ذلك التوازن النسبي الذي ساد خلال الحرب الباردة، ولن تقف عند حدود الدمار الذي شهده العالم خلال
الحرب العالمية الثانية. فتعدد مراكز التراكم الرأسمالي، وبالتالي تعدد القوي العسكرية والسياسية والقدرات التدميرية الهائلة
للقوي الكبرى الجديدة منها والقديمة في عالم تتحكم فيه فوضى السوق الرأسمالي، يعنى أن الحرب والخراب والموت
والاستعمار والقهر في القرن الواحد وعشرين سيتجاوز كل ما عانته البشرية خلال القرن الماضي. على أن علينا ألا ننسى أبدا أن الورطات الاستعمارية الأمريكية لها ثمن باهظ مقارنة بأي مشروع استعماري آخر في تاريخ الإمبريالية. الولايات المتحدة اليوم تغامر بهيبتها ومستقبلها. ذلك أن حركات مناهضة الاستعمار ستكون اليوم – بفضل التطورات في التكوين الطبقي للبلدان الرأسمالية المتأخرة – أقوى من أي وقت مضى. وهذا ما سيغذي التوتر الحادث بالفعل في الصراع الدولي (وهو التوتر الذي تحاول أمريكا أن تستبق تطوراته بسياستها الهجومية).
باختصار لن تؤدي سياسة الهجوم ألاستباقي الأمريكية إلا إلى تصعيد التناحر في قلب الصراع الدولي وفي النضال
الطبقي على المستوى الأممي. نرى الأدلة على هذا اليوم في فلسطين والعراق وأفغانستان، كما نراها في حركات مناهضة
الحرب والاستعمار والرأسمالية عالميًا. ومن المتوقع أن نرى أدلة جديدة غدا وبعد غد في كل أركان العالم. ذلك أن أهم حقيقة
نعيشها الآن هي أن عالمنا أصبح، بشكل متزايد، لا يقبل قانون "الربح فوق البشر" الذي تعده الرأسمالية دستورها المقدس.

من كتاب الإمبريالية و الصهيونية و المقاومة

مركز الدراسات الالاشترتراكية
مارس ٢٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق