الثلاثاء، 3 نوفمبر 2009

الصهيونية

في عام ١٩٤٨ شنت العصابات الصهيونية في فلسطين ما أطلقت عليه آنذاك "حرب الاستقلال". وقبل انعقاد الهدنة بين
الكيان الصهيوني الوليد وجيوش مصر والأردن وسوريا في ١٩٤٩ ، كانت تلك العصابات قد شردت أكثر من ٧٥٠ ألف
فلسطيني من منازلهم وحولتهم إلى لاجئين داخل بلادهم التي سيطر عليها الجيش الصهيوني. أدعى الصهاينة أنهم يعبرون عن حنين يهود العالم إلى "التحرر الوطني". ومع ذلك إذا كانت الصهيونية حركة تحرر
وطني فهي أغرب حركة من نوعها. فبدلا من أن تسعى للتخلص من الإمبريالية ما تحاوله حركات التحرر الوطني عموما
سعت بقوة إلى أن تكون تحت حماية القوى الإمبريالية وقامت بطرد الشعب الفلسطيني من أراضيه.
ما هي الصهيونية؟
إن الصهيونية هي النظرية التي انطلقت من افتراض أن التعايش بين اليهود وغير اليهود في مختلف أنحاء العالم غير
ممكن، وأنه طالما ظل اليهود بدون وطن خاص بهم سيظلون يعيشون في ظروف بؤس واضطهاد. وتبنت هذه الحركة مشروع الهجرة إلى فلسطين بهدف إقامة دولة يهودية. وقد تطورت الصهيونية كرد فعل لتصاعد موجة العنصرية ضد اليهود (معاداة السامية) في أوروبا مع نهاية القرن الماضي. وجاء تأسيس أحزاب سياسية معادية علنا للسامية في أوروبا الغربية ليضعف الأفكار التي شاعت لدى كثير من اليهود حول إمكانية الاندماج في مجتمعات غير يهودية. وفي روسيا القيصرية وبلدان أوروبا الشرقية، حيث كانت تعيش نسبة كبيرة من يهود العالم، وقع اليهود ضحية التحول من النظام الإقطاعي إلى النظام الرأسمالي. فمع هذا التحول فقد اليهود دورهم المميز كتجار ومرابين في الاقتصاد الإقطاعي.
ودخل الحرفيون وأصحاب المحلات اليهود في منافسة مع نظرائهم من غير اليهود. في نفس الوقت كان التطور الرأسمالي
يدمر النظام الحرفي محولا الحرفيين وأصحاب المهن إلى عمال أجراء. وقد ساهمت هذه العملية في خلق طبقة عاملة واسعة
من اليهود في أوروبا الشرقية في أقل من خمسين عاما.
هذه التغيرات المؤلمة في الوضع الاجتماعي لليهود دفعت الملايين منهم إلى الهجرة من أوروبا الشرقية، ومن بقي منهم
غالبا ما واجه مذابح وأحداث عنف ضد اليهود. فمن أجل الاستفادة من تصاعد موجه معاداة السامية بين أعضاء الطبقة
الوسطى من غير اليهود والسعي للحفاظ على الانقسام بين الطبقة العاملة اليهودية وأخوتهم وأخواتهم من الطبقة العاملة غير
اليهودية، شجع البوليس القيصري الروسي قيام المذابح ضد اليهود. هذا الجو من الإحباط والاضطهاد أثار العديد من ردود الفعل لدى السكان اليهود، بما في ذلك تزايد النزعة القومية. إن القومية اليهودية، خاصة في شكلها الصهيوني، كانت مفهو ما حديًثا تماما نتج عن التطور السياسي والاجتماعي في أوروبا الشرقية في القرن التاسع عشر. ولعدة قرون كانت فكرة العودة إلى "صهيون" (الأرض المقدسة المزعومة في فلسطين) تحتل مكانة هامة في اليهودية، ولكن لم يكن لهذا الاعتقاد أي معنى سياسي، ولم تكن تتضمن الرغبة في إقامة دولة يهودية "عاصمتها الأبدية" هناك. فقد هاجر القليل من الحجاج اليهود إلى فلسطين في أواخر القرن الثامن عشر لتكوين طوائف دينية وليس لإقامة دولة. ومع ذلك فإن الحركة الصهيونية وضعت هذا الهدف بالذات نصب عينيها.
جاء أقوى تعبير عن الصهيونية في عام ١٨٩٦ في كراس" دولة اليهودية" الذي كتبه صحفي نمساوي يهودي يدعى
تيودور هرتزل المعروف ب"أبو الصهيونية". وفي عام ١٨٩٧ عقد هرتزل أول مؤتمر صهيوني في بازل بسويسرا. ووافق
مائتي مندوب من ١٧ بلد على تكوين المنظمة الصهيونية العالمية للمطالبة "بوطن معترف به ويتمتع بالحماية القانونية في
فلسطين". ومع ذلك اكتشف هرتزل مشكلة كبيرة في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين وهي أنه لم يهتم بهذه الدولة سوى عدد
ضئيل جدا من اليهود. ففي الفترة بين ١٨٨٠- ١٩٢٩ هاجر ما يقرب من أربعة ملايين يهودي من روسيا والنمسا وبولندا ورومانيا وبلاد أخرى. ولكن لم يهاجر منهم إلى فلسطين سوى ١٢٠ ألف فقط. وأكثر من ثلاثة ملايين منهم هاجروا إلى الولايات المتحدة وكندا. وفي عام 1914 كانت المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة تضم ١٢ ألف عضو فقط. في نفس الوقت كان الحزب الاشتراكي يضم نفس العدد من اليهود في مدينة نيويورك وحدها.
الاشتراكية والنضال ضد معاداة السامية
على خلاف ما فعل هرتزل دافع الاشتراكيون عن اليهود عندما تعرضوا للاضطهاد. كذلك اعتبر الاشتراكيون العنصرية
ضد اليهود أحد السموم الموجهة ضد الحركة العمالية. فقد استنكر أوجست بيبل، أحد قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي
الألماني في مطلع القرن العشرين، معاداة السامية وأطلق عليها "اشتراكية الحمقى" لأنها تضلل العمال عن عدوهم الحقيقي وهو الطبقة الحاكمة وتدفعهم إلى التضحية باليهود. وأوضح كارل كاوتسكي، أحد زعماء الحزب الاشتراكي الألماني، أن انقسام اليهود إلى طبقات يعني أن أوضاع اليهود ترتبط ارتباطا وثيًقا بحركة الطبقة العاملة ككل. ولأن الاشتراكية أكدت على ضرورة الكفاح ضد معاداة السامية في البلاد التي يعيش فيها اليهود، ضمت الحركة الاشتراكية عددا كبيرا منهم.
وبينت الثورة الاشتراكية عام ١٩١٧ مغزى الإستراتيجية الاشتراكية لتحرير اليهود في الممارسة. ففي بلد استغل فيه
القيصر وأتباعه معاداة السامية من أجل تقسيم العمال، انتخب العمال الروس للمواقع القيادية في الحكومة الثورية بلاشفة من
أصل يهودي مثل تروتسكي وزينوفييف وكامينيف وسفيردلوف. وأعلنت الثورة حرية العقيدة وألغت العقبات التي فرضتها
القيصرية أمام تعليم وإقامة اليهود. وخلال الحرب الأهلية فيما بين ( 1918 - 1922 ) ضد الجيوش المضادة للثورة التي
ذبحت الآلاف من اليهود، طبق الجيش الأحمر الثوري عقوبات صارمة بما فيها الإعدام ضد مرتكبي العنف ضد اليهود
في صفوفه. وقامت الحكومة العمالية بالمساواة بين لغة الييدش المنتشرة في أوساط اليهود وجميع اللغات الأخرى. وعملت
قوميسارية (وزارة) شئون اليهود ولجنة يهودية خاصة داخل الحزب البلشفي جنبا إلى جنب من أجل انخراط اليهود في شئون الدولة العمالية وكسب جماهير اليهود للاشتراكية. وقد شهدت السنوات الأولى للثورة ازدهارا للحياة الثقافية لدى اليهود لم يسبق له مثيل.
وقد رافق ذلك نقدًا حادًا لا هوادة فيه للنزعة الصهيونية في أوساط اليهود. فقد كان الحل الاشتراكي لمشكلة اليهود هو
اندماج العمال اليهود مع غير اليهود لبناء الاشتراكية وليس هجرتهم لبناء وطن وهمي من خلال قهر شعب آخر.
الصهيونية والاستعمار
لم يخف الصهاينة الأوائل أملهم أن تكون الدولة اليهودية كما قال هرتزل: "جزءا من الحصن الدفاعي لأوروبا ضد آسيا، وموقعا قويا للحضارة في مواجهة البربرية." وكانت كتابات هرتزل تمتلئ بالمديح للقوى الإمبريالية الكبرى في أوروبا،
وكشف عن إعجابه بديكتاتورية القيصر الألماني حين كتب: "إن الحياة في ظل حماية ألمانيا القوية العظيمة ذات الحكومة
الرائعة والمنظمة له تأثير مؤكد وجيد على الطبيعة القومية لليهود". وفي ١٩٠٢ كتب إلى روتشيلد، وهو صهيوني بريطاني ذو علاقات واسعة بالقيادات العليا للدولة البريطانية: "طالما لا زال لديكم (يقصد الإمبراطورية البريطانية) مساحة واسعة للحركة، بل من الممكن أن تحقق الكثير من خلال حكومتكم إذا دعمتم النفوذ البريطاني في الشرق الأدنى من خلال الاستيطان الواسع من قبل شعبنا للمنطقة الإستراتيجية حيث تلتقي المصالح المصرية والفارسية والهندية." لقد روج مؤسسو الصهيونية العنصرية الموالية للإمبريالية ضد ما اعتبروه "شعوبا متخلفة" في آسيا وأفريقيا. وأثناء الحرب العالمية الأولى تودد القادة الصهاينة إلى الإمبريالية البريطانية، وأملوا في أن تكافئهم بريطانيا بعد انتصارها على الإمبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على فلسطين. وتحقق هدفهم في عام ١٩١٧ بوعد اللورد بلفور. فقد أعلن وعد بلفور تأييد بريطانيا "لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين" تحت الحماية البريطانية.
جاء وعد بلفور نتيجة لمفاوضات بين فرنسا وبريطانيا حول تقسيم أراضي الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب
العالمية الأولى. وفي ١٩١٥ أقترح رئيس الوزراء البريطاني هربرت صموئيل أن تقيم بريطانيا محمية يهودية في فلسطين.
وعارض غالبية الأعضاء هذه الخطة. وقتها كتب صموئيل: "من الغريب أن أكثر المؤيدين تمسكا بهذا الاقتراح هو لويد جورج الذي لا أحتاج إلى بيان أنه لا يهتم قيد أنملة بأمر اليهود أو بماضيهم أو مستقبلهم، ولكنه يرى أن ترك الأراضي المقدسة لتقع تحت سيطرة وحماية الفرنسيين الملاحدة هو بمثابة فضيحة." ولكن بعد سنتين أصدرت بريطانيا وعد بلفور، فما الذي تغير في حسابات بريطانيا؟ أحد علامات هذا التغير هو أن بريطانيا أعلنت وعد بلفور بعد أيام من ثورة أكتوبر في روسيا. فكل من بريطانيا والصهاينة رأوا أن إقامة دولة يهودية يعد حصنا للإمبريالية ضد انتشار الثورة. وبعد ذلك أوضح وينستون تشرشل، رئيس وزراء المحافظين، دوافع بريطانيا في تلبية طموحات الصهاينة: ".. إن دولة يهودية تحت حماية التاج البريطاني.. ذات فائدة ومتوافقة مع المصالح الحقيقية للإمبراطورية البريطانية ".
تطور الصهيونية
من خلال وعد بلفور وعدت بريطانيا الصهاينة بفلسطين والأردن. ولكن الضغوط من البلاد العربية أجبرت بريطانيا
على التراجع عن وعدها بخصوص الأردن عام ١٩٢٢ ، وقبلت غالبية قيادة الحركة الصهيونية بقيادة بن جورويون ووايزمان قرار بريطانيا بالاكتفاء بفلسطين، وبعدها قبلوا قرارا بريطانيا آخر بالحد من هجرة اليهود إلى فلسطين. وأدى ذلك إلى انقسام كبير داخل الحركة الصهيونية، حيث اعترضت أقلية بقيادة الكاتب البولندي فلاديمير جابوتنسكي على سياسات بن جوريون "الواقعية”. رأى جابوتنسكي أن الصهاينة عليهم أن يصروا على الاستيلاء على كلا جانبي نهر الأردن وأن يرفضوا الالتزام بأية حدود تفرضها بريطانيا. و أطلقت المنظمة الصهيونية العالمية اسم "الوطن" على مستعمراتهم في فلسطين. ولكن جابوتنسكي أصر على أن يتحدث الصهاينة علنا عن هدفهم في بناء دولة يهودية في فلسطين. ووصل برنامج جابوتنسكي إلى الدعوة إلى مراجعة إستراتيجية منظمة الصهيونية العالمية، وبالتالي وصف أتباعه "بالمراجعين" في الحركة الصهيونية العالمية. وكتب جابوتنسكي بفجاجة في مقال له عام ١٩٢٣ بعنوان" السور الحديدي": "نحن لا نستطيع تقديم أي تعويض لفلسطين أو للفلسطينيين ولا العرب الآخرين. ولذا فإن التوصل إلى اتفاق طوعي أمر مستحيل، يجب أن يستمر الاستيطان حتى في أقل الحدود، تحديا للسكان الأصليين.. وبالتالي يمكنه أن يستمر ويتطور فقط تحت حماية درع القوة الذي يشمل سورا حديديا لا يستطيع السكان المحليين اختراقه.. هذه هي سياستنا مع العرب، وأي محاولة لصياغتها بشكل مختلف ليست إلا نفاًقا."
كانت المؤسسات الأساسية للصهيونية العمالية في فلسطين هي الهستدروت أو الاتحاد العام للعمال في أرض إسرائيل،
والكيبوتزيم أو شبكة اتحادات المستوطنين التي قارنها البعض بمجموعات الاشتراكيين المثاليين، وهاتين المنظمتين انتقلتا إلى
دولة إسرائيل. ومن المذهل أن كثير من مؤيدي إسرائيل إعتبروهما تجليا للاشتراكية في المؤسسة الصهيونية، ولكن هذا جانب آخر من قصة الصهيونية حيث تصطدم الأسطورة بالواقع. فمنذ بدايته قصر الهستدروت عضويته على العمال اليهود، ولم يسمح بضم الفلسطينيين العرب ذوي الجنسية الإسرائيلية إلا في عام ١٩٦٠ . وبعد عام واحد من تأسيسه امتلك الهستدروت شركة قابضة وبنك لم يأت رأس مالهما من عضويته البالغة 5000 عضو، ولكن من الوكالة اليهودية للحركة الصهيونية العالمية. بكلمات أخرى عاش الهستدروت ولازال على دوره كنافذة لاستثمارات الصهيونية العالمية وشكل العمود الفقري في التحضير للدولة اليهودية. فقد أشرف على أغلب الجهود الاستيطانية الصهيونية والإنتاج والتسويق والتوظيف وكذلك الدفاع (عصابات الهاجاناه). وقد وصفه أحد قادته الأوائل، بنحاس لافون الذي أصبح فيما بعد وزير للدفاع: "إن الهستدروت منظمة عامة تقع في القلب من مجتمعنا.. إنه ليس نقابة عمالية رغم أنه يتعامل بكفاءة مع احتياجات العمال".
احتلال فلسطين
حاول الصهاينة إقناع العالم بأن فلسطين أرض بلا شعب، ولكن لأكثر من ١٣٠٠ عام كان يعيش فيها غالبية من العرب
المسلمين جنبا إلى جنب مع اليهود والمسيحيين. وفي عام ١٨٨٢ كان سكان فلسطين ينقسمون بين ٥٠٠ ألف من العرب و ٢٤
ألف يهودي. وبحلول عام ١٩٢٢ ، وبعد ٢٠ عاما من بدء الهجرة الصهيونية كان سكان فلسطين ٧٦٠ ألف نسمة وكان ٨٩%
منهم من العرب الفلسطينيين.
زرع الصهاينة موضع قدم في فلسطين من خلال تواطؤ كبار الملاك العرب المتغيبين في العشرينات، وضمنت السلطات
البريطانية نصيبا متميزا لهم من المياه والموارد الأساسية الأخرى. وبعد تدعيم وضعهم في فلسطين بدأ الصهاينة في تأسيس اقتصاد يهودي مستقل وحكومة تحت إشراف الانتداب البريطاني. وتحت شعار "أرض يهودية، عمل يهودي، منتج يهودي" بدأ الهستدروت والكيبوتزيم والتعاونيات الزراعية في طرد الفلسطينيين من أعمالهم، وكان أعضاء الهستدروت هم الأعنف في مواجهة الفلسطينيين. وناضل الفلسطينيون ضد نزع ممتلكاتهم وضد الخطر الصهيوني الصاعد. وفي عام ١٩٣٦ أعلنوا إضرابا عاما ضد تزايد الفقر وضد الصهاينة ومؤيديهم الإنجليز. واستمر الإضراب والانتفاضة المسلحة التي نتجت عنه قرابة الثلاث أعوام حتى أجهضا بسبب القمع الصهيوني والبريطاني. وأظهر الدور الذي لعبه الصهاينة في قمع الانتفاضة أن الصهيونية العمالية ليست لها أي علاقة بالتضامن بين العمال. فقد تعاون الصهاينة مع البريطانيين لكسر الإضراب بإحلال عمال يهود محل العمال العرب في ميناء حيفا والسكك الحديدية. كما أمد البريطانيون الميليشيات الصهيونية بالسلاح لتحطيم الانتفاضة الفلسطينية.ووصلت نسبة القوات البريطانية إلى ١٠ أضعاف الفلسطينيين المنتفضين ومع ذلك استمرت الانتفاضة ثلاث سنوات. كان عنف الانتفاضة ناتجا عن اتضاح التهديد الصهيوني لفلسطين. فعلى مدى الثلاثينات تزايد عدد السكان اليهود بمعدلات عالية. فقد توجه آلاف اليهود إلى فلسطين هربا من الاضطهاد في وسط وشرق أوروبا خاصة وأن بريطانيا والولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية لم تسمح لهم بالدخول إليها. وفيما بين ١٩٣١ و ١٩٤٥ تضاعف عدد اليهود من174 الف الي 608 ألف. ولكن حتى وقتها لم يكن اليهود يمثلون أكثر من ثلث السكان. وعندما أعلن قيام الدولة في ١٩٤٨ كانوا أقلية قوية وجيدة التسليح. ومع تزايد السكان اليهود تزايد كذلك التحريض والاستفزاز الصهيوني ضد الفلسطينيين.
الطريق إلى النكبة
ربما بدون الهولوكوست (المحرقة أو القتل الجماعي لليهود على أيدي النازي) لما قامت الدولة الصهيونية. فقد أتى
المهاجرون إلى إسرائيل من بين الآلاف الذين نجوا من الهولوكوست بعد دمار مجتمعاتهم في أوروبا. ولكن الأهم من ذلك أن
الصهاينة استغلوا المحرقة لتبرير إقامة دولة يهودية. فقد أدعوا أن المحرقة قد برهنت على أن كل غير اليهود هم ضمنيا
معادين للسامية. ولذا فاليهود الذين يعيشون في مجتمعات غير يهودية معرضين دائما للإبادة. ومع نهاية الحرب تبنت نسبة
كبيرة من اليهود وجهة النظر الصهيونية، فقد كان قضاء النازية على كافة الرؤى السياسية غير الصهيونية في المجتمعات
اليهودية وراء التأييد الكاسح الذي اكتسبته الصهيونية. ففي بداية الأربعينات كان النازيون يعكفون على قتل كل شيوعي أو
اشتراكي أو مناضل يهودي تقع عليه أيديهم. وأجبرت الحرب بريطانيا على الجلاء من الكثير من مستعمراتها بما في ذلك فلسطين، وتركت للأمم المتحدة تقرير مصير فلسطين. وفي نوفمبر ١٩٤٧ وافقت الأمم المتحدة على خطة للتقسيم أعطت الصهاينة % 55 من الأرض مع أنهم لم يكونوا يمثلون سوي ثلث عدد السكان. وأعلنت الخطة القدس مدينة عالمية يكون لليهود والمسلمين والمسيحيين حقوًقا متساوية فيها. وقد وافق على هذا القرار الإجرامي الاتحاد السوفيتي بقيادة ستالين وتبعه في ذلك الكثير من الأحزاب الشيوعية العربية في خيانة واضحة لقضية التحرر الوطني الفلسطيني ولكافة المبادئ الاشتراكية. وافق الزعماء الصهاينة على خطة التقسيم في العلن فقط، لكنهم من ناحية أخرى خططوا للاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية بالطرق العسكرية. واتحد الصهاينة على هدف اغتصاب البلاد، واستخدموا في ذلك الإرهاب والحرب النفسية والمذابح لإثارة الذعر بين السكان الفلسطينيين. وفي أشهر المذابح، قامت الميليشيات الإسرائيلية بقيادة مناحم بيجين واسحق شامير وكلاهما احتل فيما بعد منصب رئاسة الوزراء بإبادة قرية دير ياسين، ووصفت بعثة الصليب الأحمر المذبحة بأن العصابات أوقفت الرجال والنساء والأطفال ووجوههم للحائط وأطلقت عليهم الرصاص. وفي أعقاب المذبحة استغل الصهاينة التهديد بالمذابح لإجبار الفلسطينيين على ترك ديارهم وأراضيهم.
ومع نهاية الحرب سيطر الصهاينة على ٧٧ % من أراضي فلسطين وبها ٩٥ % من أجود الأراضي الزراعية في البلاد،
واستولت الدولة الصهيونية على ٨٠ % من الأراضي المملوكة للفلسطينيين وطردت أكثر من ٧٥٠ ألف فلسطيني من ديارهم وأحلت اليهود مكانهم.
ومنذ ذلك الحين تلعب الدولة الصهيونية دور كلب الحراسة للاستعمار في منطقتنا. فهي ليست سوى معسكر استيطاني
يخدم المصالح الامبريالية البريطانية سابًقا والأمريكية حاليا. وقد استخدمت وما زالت تستخدم تلك الإيديولوجية العنصرية
الصهيونية لتبرير جرائمها ولتوحيد صفوف مستوطنيها ضد الجماهير الفلسطينية والعربية. وعلينا دائما في نضالنا ضد
الصهيونية أن نفرق بين اليهودية والصهيونية وألا نرى الصهيونية كامتداد للدين اليهودي بل نراها على حقيقتها كحركة رجعية نشأت بين جاليات يهودية بعينها في أوروبا الشرقية واستخدمها وما زال يستخدمها الاستعمار لكسر آمال الجماهير الفلسطينية والعربية عمو ما في التحرر.

كتاب الإمبريالية والصهيونية والمقاومة

مركز الدراسات الاشتراكية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق