الأحد، 15 نوفمبر 2009

الاضراب ... نظرة اشتراكية

في السنوات الاخيرة اخذت اضرابات العمال في مصر تتكاثر بسرعة شديدة ولم تبق هناك محافظة من المحافظات الا ووقع فيها بضعة اضرابات . وفي المدن الكبيرة لا تنقطع الاضرابات ففي كل يوم تقريبا اضراب جديد .
وهذا يجعلنا نتسال اكثر عن اهمية الاضرابات وعن اساليب القيام بالاضرابات وعن مشاركة الاشتراكيين في الاضرابات
اهمية الاضرابات في الحركة العمالية 1-
في البداية يجب طرح مسألة الاسباب التي تفسر ظهور الاضرابات وانتشارها . اولا تظهر الاضرابات وتنتشر حيث تظهر وتنتشر المصانع الكبيرة فنستطيع ان نقول ان الانتاج المصنعي الكبير يؤدي دائما الي الاضرابات . انها تنجم من كون الراسمالية تؤدي بالضرورة الي النضال ضد ارباب العمل وكلما زاد الانتاج يتحول النضال الي نضال اضرابي

ففي الراسمالية تكون الارض والمصانع والادوات وخلافها ملكا لحفنة صغيرة من المالكين الراسماليين في حين لا يحوز السواد الاعظم من الشعب علي اي ملكية فيتعين عليه العمل بالاجرة فالمالك الصناعي او الزراعي يستاجر العمال ويجبرهم علي انتاج هذة المصنوعات او تلك لكي يبيعها في السوق ويربح من وراء هذة العملية الكثير في حين انه لا يدفع للعمال الا الاجرة التي تمكنهم بالكاد من البقاء علي قيد الحياة هم وععئلاتهم بالرغم من ان كل ما ينتجه العامل يضع ربحه الراسمالي في جيبه اذا كلما قل ما يدفعه المالك الراسمالي للعمال كلما زاد ربحه الخاص اما العمال فانهم يحاولون ان يحصلوا علي اكبر قدر ممكن من الاجور لكي يمكن اطعام العائلة واسكانها سكن جيد والبس كما يلبس الجميع لا كما يلبس الفقراء فالنضال العمالي دائما نضال بسبب الاجرة

اذا هي معادلة بسيطة

رب العمل يريد خفض الاجرة لزيادة ارباحه + العامل يريد زيادة الاجرة لسد متطلبات العائلة = نضال عمالي وتعسف من ارباب العمل

ويجب ان نفهم ان عدد العمال في تزايد مستمر فالخراب يحل بالفلاحين نتيجة السياسات الخاطئة في الزراعة فيهرب من الارض الي المدينة ويصبح عامل في احدي مصانعها ولذلك يزداد عدد العاطلين عن العمل ويزداد عدد الفقراء من الفلاحين والعمال والمالك الراسمالي يخفض الاجرة اكثر واكثر لزيادة عدد الراغبين في العمل ولذلك لايستطيع العامل بمفرده النضال ضد رب العمل فالعامل بمفرده اذا طالب بزيادة في الاجرة او تحسين احواله اوقفه المالك الراسمالي عن العمل واحضر غيره فالجياع كثيرون علي الباب وعلي استعداد للعمل باقل مما اعطيه لك

ولكي لا يسمح العمال بذلك يشرعون ويبداون في النضال المستميت وبما ان كلا منهم عاجز بمفرده يشرع العمال معا بالانتفاضات والاضرابات ضد ارباب العمل

في البداية قد لا يفهم العمال ما يسعون اليه ولا يدركون لماذا يفعلون هذا فهم يجربون قواهم المشتركة لكي يخرجوا من الوضع الذي لا يطاق غير مدركين بعد الاسباب الملموسة لوضعهم اليائس والسئ وما يجب عليهم ان يسعوا ورائه

في جميع البلدان كان استياء العمال يبأ بالانتفاضات المنفردة – اعمال الشغب كما يسميها البوليس ورجال الاعمال والراسماليين وفي جميع البلدان ادت هذة الاضرابات المنفرد ة الي ضرابات سلمية الي نضال الطبقة العاملة في جميع الميادين من اجل تحررها

2- ما هي الاهمية التي تتسم بها الاضرابات في نضال الطبقة العاملة ؟

يفهم العمال انهم لا يستطيعون مقاومة ارباب العمل الا معا اما بشن الاضرابات واما التهديد بالاضراب وبقدر ما تتطور الراسمالية ويتسارع نمو المصانع الكبيرة ويزحزح الراسماليون الكبار الراسماليون الصغار من الطريق بالقوة تشتد الحاجة الي مقاومة العمال المشتركة لانه بالقدر نفسة تتفاقم البطالة وتستفحل المزاحمة في سوق العمل ويلهث الراسمايين في سعيهم لانتاج البضائع بارخص ما يمكن وتقوي ذبذبات الصناعة والازمات ( حينما تزدهر الصناعة يجني الراسماليون ارباحا كبيرة دون النظر الي زيادة اجور العمال او تقاسم الارباح مع العمال اما في الازمات فان الراسمايين يحاولون ان يلقوا اعباء الخسائر علي العمال بتخفيض اجورهم ووقفهم وطردهم من العمل )

ولكن الاضرابات التي تنبع وتظهر من جوهر المجتمع الراسمالي تعني وتوضح بداية نضال الطبقة العاملة ضد هذا النظام الاجتماعي فتعامل العمال فرادي مع ارباب العمل يجعلهم في موقف الضعيف المسلوب القوي الخانع الذليل ولكن حين يتحد العمال فما من ثروة تعود علي الراسماليين باي نفع دون وجود عمال يوافقون علي بذل الجهد علي الادوات وموارد الانتاج

فالعامل هو الذي يحرك الالية في الحركة الانتاجية وبدونه فان كل هذة الالية تتوقف وتصيب المجتمع بالشلل وتكبد الراسمايين خسائر طائلة .

فكل اضراب يحدث يذكر الراسماليين بان العمال هم الاسياد الحقيقيين العمال الذين ينادون بحقوقهم بصوت اعلي فاعلي وكل اضراب يذكر العمال ان وضعهم ليس ميئوس منهم وبانهم ليسوا وحدهم

فتاثير الاضراب تاثير هائل سواء في المضربين او في عمال المصانع الاخري او في عمال المصانع من القطاع الانتاجي ذاته فالعامل في الاضراب يعلن مطالبه بصوت عالي ويذكر ارباب العمل بحقوقه ولا يفكر في نفسه وحده بل يفكر في كل رفاقه من العمال الذين اضربوا عن العمل معه والذين يدافعون عن قضايا العمال دون ان يخشوا العواقب والحرمان فكل اضراب يحمل معه للعامل الكثير من المعاناه والحرمان ورغم مصائب الاضراب يشعر العمال في المصانع الاخري بارتفاع المعنويات حين يرون ان رفاقهم ينضالون

(ان اولئك الذين يتحملون مثل هذة المصائب لكي يحطموا راسمالي واحد يستطيعون ان كذلك قوة الراسماليين كلها ) انجلس

وكل اضراب يدفع العمال للتفكير اكثر في الاشتراكية بنضال الطبقة العاملة لتحرر من قيود الراسمالية الاضراب يعلم العمال ان يفهموا اين تكمن قوة ارباب العمل واين تكمن قوة العمال يعلمهم الاضراب ان يفكروا لا في رب العمل فقط بل في كل ارباب العمل وما يصنعونه في العمال فالاضراب يجعل العمال تري بوضوح ان كل طبقة الراسماليين هي عدوة كل طبقة العمال وان العمال لا يستطيعون ان ينجحوا الا بانفسهم وباتحادهم فقط

(من وراء كل اضراب تلوح بشائر الثورة )

ولكن العمال يجب ان يفهموا انهم بالاضرابات وصناديق الاضراب فقط لا يستطيعون تحسين اوضاعهم فالاضرابات انما هي احدي وسائل النضال لدي الطبقة العاملة من اجل التحرر من الراسمالية ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة واذا لم يهتم العمال بوسائل النضال الاخري فانهم يخففون من نجاحهم ونمو الطبقة العاملة فاحيانا في زمن الازمة يستفيد الراسماليون من اثارة الاضراب لوقف الانتاج لفترة زمنيه معينة لخفض التكاليف وكذلك اضعاف العمال ماديا ولهذا لا يمكن للعمال باي حال من الاحوال ان يكتفوا بالاضرابات وجمعيات الاضراب وكذلم يجب علينا ان نفهم ان النجاح لا يحالف الاضرابات الا حين يبلغ العمال درجة كافية من الوعي حيث يستطيعون معرفة كيف يختارون الوقت للاضرابات وكيف يقدمون المطالب

الاضرابات هي مدرسة للحرب وليست الحرب والاضرابات وسيلة واحدة فقط من وسائل النضال شكل واحد من اشكال الحركة العمالية فمن الاضرابات المتفرقة يجب علي العمال ان ينتقلوا الي نضال الطبقة العاملة باسرها من اجل تحرير جيع الكادحين

عاش كفاح الطبقة العاملة

المناضل كمال خليل وكلنته في الجلسة الحتامية لمؤتمر ايام اشتراكية

القي المناضل العمالي الاستاذ كمال خليل كلمة في ختام مؤتمر ايام اشتراكية الذي اقيم في القاهرة وقد قام بتابين المناضل الاشتراكي كريس هارمن الذي توفي وهو يحضر المؤتمر

كريس هارمان.. لن نقول وداعاً..

فأنت ستظل بأفكارك وروحك الثورية خالداً بيننا، الأفكار لها أجنحة، عهداً منا يا رفيق : سنواصل النضال الثوري.. رافعين دائماً راية الاشتراكية الثورية عالية...

سنظل دائماً في كل مكان : في مصر، وفي إنجلترا، وفي اليونان، وفي كوريا الجنوبية، وفرنسا، وإندونيسيا، وألمانيا... وفي كل مكان في العالم، نردد جملة الثوار العظيمة: " يا عمال العالم اتحدوا"،  فإن لم تنتصر الاشتراكية في العالم ستسود البربرية.

سنواصل النضال يا رفيق من أجل: التحرر الذاتي لعمال العالم، وهزيمة الإمبريالية والديكتاتورية، وسنناضل مع كل المقهورين، وسنسعى من أجل خلق عالم جديد، ودنيا جديدة، دينا رايتها المساواة؛

كل الناس متساويين


لا تميز بسبب الدين


دنيا جديدة وخلق جديدة


فيها الرجل زي الست


فيها الواد زي البنت


دنيا جديدة وخلق جديدة


مفيهاش طفل لحافه رصيف


ولا طابور لجل رغيف


دنيا جديدة وخلق جديدة


وعالم أفضل ممكن.. ممكن


والإنسان قبل الأرباح


عهد منا يا رفيق.. عهد منا من جديد.. كل يوم.. كل يوم.. يتولد اشتراكي ثوري جديد.. كل يوم.. يتولد كريس هارمان من جديد

لقد كان توني كليف وكريس هارمان من الرواد الأوائل الذين رفعوا راية الماركسية الثورية في العالم من خلال حزب العمال الاشتراكي البريطاني، رفعوها سوياً مع رفاقهم من مناضلي الأممية الرابعة في فرنسا، في وقت سادت فيه الأفكار الستالينية، التي خلعت كل مضمون ثوري من الماركسيين، لقد ناضل كريس هارمان مع رفاقه في حزب العمال الاشتراكي البريطاني لتوضيح الطبيعة الطبقية لرأسمالية الدولة في روسيا، بدأوا مع بداية السبعينات في رفع راية الاشتراكية الثورية في بريطانيا... وراية العداء للإمبريالية والصهيونية والديكتاتورية، ومحاولين نشر فكرهم الثوري في بريطانيا والعالم.

ما أروع الإنسان حينما يموت وهو حاملاً قلمه، ما أروع الإنسان حينما يموت وهو متوحداً، ومنسجماً مع فكره الثوري. لقد ظل هذا المناضل، وهذا المفكر، وهذا الرفيق وهذا المعلم أميناً ومخلصاً، ومناضلاً مع كل كلمة كتبها، ومع كل فكره طرحها...

"الأشجار تموت واقفة.. وكريس هارمان مات واقفاً.. مات وهو يناضل من أجل أفكاره حتى النفس الأخير."

لا تظنوا أن كريس هارمان مات غريباً خارج وطنه.. لأن هذا الرجل كان أممياً.. كان وطنه العالم كله.. كل بلاد العالم، لقد مات كريس هارمان بين أبناء التيار الاشتراكي الثوري في مصر.. لقد مات بين أبنائه وبناته.. ولذلك فهو لم يمت غريباً.

لقد ظل هذا الرجل يجوب بلاد العالم.. مرة في مصر.. مرة في إندونيسيا.. مرة في العراق.. مرة في كوريا.. مرة في اليونان.. يطوف العالم حاملاً أفكاره الثورية ومدافعاً عنها.

كريس هارمان.. تعلمنا منك الكثير يا رفيق، وشاهدناك رغم عبقريتك الثورية النادرة شاهدناك إنساناً بسيطاً متواضعاً

تعالوا معاً أيها الزملاء، تعالوا نقرأ معاً في أخر مقال قرأتها لهذا الرجل العظيم، مقاله تحت عنوان "الثورة في القرن الحادي والعشرين"، كتب كريس هارمان يقول:

"الثورة لا تقوم بوجود مجموعات ثورية وفقط، ولا تحدث نتيجة سلوك مجموعة الثوريين، مهما كان حجمهم كبيراً أو صغيراً... الثورة لا تحدث لأن هناك كتلاُ هائلة من الناس، لم يفكر أغلبهم في أمر الثورة في الماضي... دفعوا بأنفسهم إلى مركز المسرح السياسي...  لأنهم أحسوا أن معيشتهم  وشروط عملهم أصبحت غير محتملة بشكل متزايد،...  وفي الوقت نفسه تكون الطبقة الحاكمة بحكم الأزمات الاقتصادية والسياسية أصبحت في مأزق، لا تستطيع الخروج منه بسهولة... وفي الحالة القصوى للتمرد الشعبي يؤدي ذلك إلى إصابة الآلة القمعية والإعلامية للحكام بشكل تام... الدخول المفاجئ للحياة السياسية من قبل عدد ضخم من الناس من خلال الإضرابات الجماهيرية والانتفاضة العفوية يجعل من السياسة حديث الناس الدائم في كل طابور وأتوبيس، وفي كل مصنع، وجامعة، ومدرسة، وفي كل محفل اجتماعي، ويصبح البشر متعطشون لتغيير حياتهم"

يواصل كريس هارمان مقاله:

 "في مخاض الثورة يتشكل دائماً في المجتمع ثلاث اتجاهات: اتجاه يريد أن يتقدم بالثورة إلى الأمام، واتجاه يسعى إلى تفريغ الثورة من مضمونها بالقضاء عليها، واتجاه وسطي ينشد إصلاح الحكم... الحزب والتنظيم الثوري ليس ضرورياً لتبدأ الثورة، ولكنه ضروري لضمان انتصارها... إذا كان حزباً ثورياً حقاً، وإذا سار مع الجماهير حتى النهاية"

لم يكن كريس هارمان  مثقفاً ومفكراً معزولاً عن الجماهير... بل مفكراً نبضه من نبض الجماهير... وحسه من حسها... وأفكاره مع وجدانها.. هذا بعض من فكر كريس هارمان، وبعض كتاباته.

أيها الزملاء:


لقد تعرفت على كريس هارمان ورفاقه وشاهدتهم عن قرب في صيف 2007 في لندن.. حينما سافرت لحضور مؤتمر "ماركسيزم"، لقد قضيت معهم سبعة أيام، كانوا أجمل أيام العمر، فلقد أسس كريس هارمان والشباب الثوري في حزب العمال الاشتراكي البريطاني داخل لندن ضد الصهيونية، حركة واسعة الانتشار "يهود ضد الصهيونية"، تلك الحركة التي ترى أن الرأسمالية الأوروبية قد حلت المسألة اليهودية على جثة الشعب الفلسطيني، واغتصاب أرضه، وإن الصهيونية حركة استعمارية استيطانية مدعومة من الإمبريالية، كان كريس هارمان مع حل المسألة اليهودية باندماج اليهود في مجتمعاتهم الأصلية في أمريكا وأوروبا، وليس باحتلال أرض الغير". هذه الحركة التي أسسها كريس هارمان مع شباب حزب العمال الاشتراكي البريطاني تنظم حرك واسعة من أجل "المقاطعة العلمية والأكاديمية لإسرائيل"، وينظمون أيضاً حملة مقاطعة جريئة للسلع الإسرائيلية داخل لندن، أنهم ثوار لندن الذين يرفعون مثلنا شعار تحرير فلسطين.. كل فلسطين، وهارمان واحد من ثوار لندن الذين نظموا مظاهرات ضد الحرب بالملايين في الشوارع ضد الغزو الأمريكي للعراق.

أيها الزملاء.. أيها الرفاق


في كل بلد من بلدان العالم عرش لديكتاتورها


عرش  لمستعمرها.. عرش لغاصب ومستغل ما


بالعمال والنضال مع الجماهير


أكيد أكيد ولا جدال


نستطيع أن ندك كل هذه العروش الطاغية


...


عاش كفاح كريس هارمان


عاش كفاح حزب العمال الاشتراكي البريطاني


 عاش كفاح التيار الاشتراكي الثوري في مصر والعالم


الثلاثاء، 3 نوفمبر 2009

الصهيونية

في عام ١٩٤٨ شنت العصابات الصهيونية في فلسطين ما أطلقت عليه آنذاك "حرب الاستقلال". وقبل انعقاد الهدنة بين
الكيان الصهيوني الوليد وجيوش مصر والأردن وسوريا في ١٩٤٩ ، كانت تلك العصابات قد شردت أكثر من ٧٥٠ ألف
فلسطيني من منازلهم وحولتهم إلى لاجئين داخل بلادهم التي سيطر عليها الجيش الصهيوني. أدعى الصهاينة أنهم يعبرون عن حنين يهود العالم إلى "التحرر الوطني". ومع ذلك إذا كانت الصهيونية حركة تحرر
وطني فهي أغرب حركة من نوعها. فبدلا من أن تسعى للتخلص من الإمبريالية ما تحاوله حركات التحرر الوطني عموما
سعت بقوة إلى أن تكون تحت حماية القوى الإمبريالية وقامت بطرد الشعب الفلسطيني من أراضيه.
ما هي الصهيونية؟
إن الصهيونية هي النظرية التي انطلقت من افتراض أن التعايش بين اليهود وغير اليهود في مختلف أنحاء العالم غير
ممكن، وأنه طالما ظل اليهود بدون وطن خاص بهم سيظلون يعيشون في ظروف بؤس واضطهاد. وتبنت هذه الحركة مشروع الهجرة إلى فلسطين بهدف إقامة دولة يهودية. وقد تطورت الصهيونية كرد فعل لتصاعد موجة العنصرية ضد اليهود (معاداة السامية) في أوروبا مع نهاية القرن الماضي. وجاء تأسيس أحزاب سياسية معادية علنا للسامية في أوروبا الغربية ليضعف الأفكار التي شاعت لدى كثير من اليهود حول إمكانية الاندماج في مجتمعات غير يهودية. وفي روسيا القيصرية وبلدان أوروبا الشرقية، حيث كانت تعيش نسبة كبيرة من يهود العالم، وقع اليهود ضحية التحول من النظام الإقطاعي إلى النظام الرأسمالي. فمع هذا التحول فقد اليهود دورهم المميز كتجار ومرابين في الاقتصاد الإقطاعي.
ودخل الحرفيون وأصحاب المحلات اليهود في منافسة مع نظرائهم من غير اليهود. في نفس الوقت كان التطور الرأسمالي
يدمر النظام الحرفي محولا الحرفيين وأصحاب المهن إلى عمال أجراء. وقد ساهمت هذه العملية في خلق طبقة عاملة واسعة
من اليهود في أوروبا الشرقية في أقل من خمسين عاما.
هذه التغيرات المؤلمة في الوضع الاجتماعي لليهود دفعت الملايين منهم إلى الهجرة من أوروبا الشرقية، ومن بقي منهم
غالبا ما واجه مذابح وأحداث عنف ضد اليهود. فمن أجل الاستفادة من تصاعد موجه معاداة السامية بين أعضاء الطبقة
الوسطى من غير اليهود والسعي للحفاظ على الانقسام بين الطبقة العاملة اليهودية وأخوتهم وأخواتهم من الطبقة العاملة غير
اليهودية، شجع البوليس القيصري الروسي قيام المذابح ضد اليهود. هذا الجو من الإحباط والاضطهاد أثار العديد من ردود الفعل لدى السكان اليهود، بما في ذلك تزايد النزعة القومية. إن القومية اليهودية، خاصة في شكلها الصهيوني، كانت مفهو ما حديًثا تماما نتج عن التطور السياسي والاجتماعي في أوروبا الشرقية في القرن التاسع عشر. ولعدة قرون كانت فكرة العودة إلى "صهيون" (الأرض المقدسة المزعومة في فلسطين) تحتل مكانة هامة في اليهودية، ولكن لم يكن لهذا الاعتقاد أي معنى سياسي، ولم تكن تتضمن الرغبة في إقامة دولة يهودية "عاصمتها الأبدية" هناك. فقد هاجر القليل من الحجاج اليهود إلى فلسطين في أواخر القرن الثامن عشر لتكوين طوائف دينية وليس لإقامة دولة. ومع ذلك فإن الحركة الصهيونية وضعت هذا الهدف بالذات نصب عينيها.
جاء أقوى تعبير عن الصهيونية في عام ١٨٩٦ في كراس" دولة اليهودية" الذي كتبه صحفي نمساوي يهودي يدعى
تيودور هرتزل المعروف ب"أبو الصهيونية". وفي عام ١٨٩٧ عقد هرتزل أول مؤتمر صهيوني في بازل بسويسرا. ووافق
مائتي مندوب من ١٧ بلد على تكوين المنظمة الصهيونية العالمية للمطالبة "بوطن معترف به ويتمتع بالحماية القانونية في
فلسطين". ومع ذلك اكتشف هرتزل مشكلة كبيرة في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين وهي أنه لم يهتم بهذه الدولة سوى عدد
ضئيل جدا من اليهود. ففي الفترة بين ١٨٨٠- ١٩٢٩ هاجر ما يقرب من أربعة ملايين يهودي من روسيا والنمسا وبولندا ورومانيا وبلاد أخرى. ولكن لم يهاجر منهم إلى فلسطين سوى ١٢٠ ألف فقط. وأكثر من ثلاثة ملايين منهم هاجروا إلى الولايات المتحدة وكندا. وفي عام 1914 كانت المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة تضم ١٢ ألف عضو فقط. في نفس الوقت كان الحزب الاشتراكي يضم نفس العدد من اليهود في مدينة نيويورك وحدها.
الاشتراكية والنضال ضد معاداة السامية
على خلاف ما فعل هرتزل دافع الاشتراكيون عن اليهود عندما تعرضوا للاضطهاد. كذلك اعتبر الاشتراكيون العنصرية
ضد اليهود أحد السموم الموجهة ضد الحركة العمالية. فقد استنكر أوجست بيبل، أحد قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي
الألماني في مطلع القرن العشرين، معاداة السامية وأطلق عليها "اشتراكية الحمقى" لأنها تضلل العمال عن عدوهم الحقيقي وهو الطبقة الحاكمة وتدفعهم إلى التضحية باليهود. وأوضح كارل كاوتسكي، أحد زعماء الحزب الاشتراكي الألماني، أن انقسام اليهود إلى طبقات يعني أن أوضاع اليهود ترتبط ارتباطا وثيًقا بحركة الطبقة العاملة ككل. ولأن الاشتراكية أكدت على ضرورة الكفاح ضد معاداة السامية في البلاد التي يعيش فيها اليهود، ضمت الحركة الاشتراكية عددا كبيرا منهم.
وبينت الثورة الاشتراكية عام ١٩١٧ مغزى الإستراتيجية الاشتراكية لتحرير اليهود في الممارسة. ففي بلد استغل فيه
القيصر وأتباعه معاداة السامية من أجل تقسيم العمال، انتخب العمال الروس للمواقع القيادية في الحكومة الثورية بلاشفة من
أصل يهودي مثل تروتسكي وزينوفييف وكامينيف وسفيردلوف. وأعلنت الثورة حرية العقيدة وألغت العقبات التي فرضتها
القيصرية أمام تعليم وإقامة اليهود. وخلال الحرب الأهلية فيما بين ( 1918 - 1922 ) ضد الجيوش المضادة للثورة التي
ذبحت الآلاف من اليهود، طبق الجيش الأحمر الثوري عقوبات صارمة بما فيها الإعدام ضد مرتكبي العنف ضد اليهود
في صفوفه. وقامت الحكومة العمالية بالمساواة بين لغة الييدش المنتشرة في أوساط اليهود وجميع اللغات الأخرى. وعملت
قوميسارية (وزارة) شئون اليهود ولجنة يهودية خاصة داخل الحزب البلشفي جنبا إلى جنب من أجل انخراط اليهود في شئون الدولة العمالية وكسب جماهير اليهود للاشتراكية. وقد شهدت السنوات الأولى للثورة ازدهارا للحياة الثقافية لدى اليهود لم يسبق له مثيل.
وقد رافق ذلك نقدًا حادًا لا هوادة فيه للنزعة الصهيونية في أوساط اليهود. فقد كان الحل الاشتراكي لمشكلة اليهود هو
اندماج العمال اليهود مع غير اليهود لبناء الاشتراكية وليس هجرتهم لبناء وطن وهمي من خلال قهر شعب آخر.
الصهيونية والاستعمار
لم يخف الصهاينة الأوائل أملهم أن تكون الدولة اليهودية كما قال هرتزل: "جزءا من الحصن الدفاعي لأوروبا ضد آسيا، وموقعا قويا للحضارة في مواجهة البربرية." وكانت كتابات هرتزل تمتلئ بالمديح للقوى الإمبريالية الكبرى في أوروبا،
وكشف عن إعجابه بديكتاتورية القيصر الألماني حين كتب: "إن الحياة في ظل حماية ألمانيا القوية العظيمة ذات الحكومة
الرائعة والمنظمة له تأثير مؤكد وجيد على الطبيعة القومية لليهود". وفي ١٩٠٢ كتب إلى روتشيلد، وهو صهيوني بريطاني ذو علاقات واسعة بالقيادات العليا للدولة البريطانية: "طالما لا زال لديكم (يقصد الإمبراطورية البريطانية) مساحة واسعة للحركة، بل من الممكن أن تحقق الكثير من خلال حكومتكم إذا دعمتم النفوذ البريطاني في الشرق الأدنى من خلال الاستيطان الواسع من قبل شعبنا للمنطقة الإستراتيجية حيث تلتقي المصالح المصرية والفارسية والهندية." لقد روج مؤسسو الصهيونية العنصرية الموالية للإمبريالية ضد ما اعتبروه "شعوبا متخلفة" في آسيا وأفريقيا. وأثناء الحرب العالمية الأولى تودد القادة الصهاينة إلى الإمبريالية البريطانية، وأملوا في أن تكافئهم بريطانيا بعد انتصارها على الإمبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على فلسطين. وتحقق هدفهم في عام ١٩١٧ بوعد اللورد بلفور. فقد أعلن وعد بلفور تأييد بريطانيا "لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين" تحت الحماية البريطانية.
جاء وعد بلفور نتيجة لمفاوضات بين فرنسا وبريطانيا حول تقسيم أراضي الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب
العالمية الأولى. وفي ١٩١٥ أقترح رئيس الوزراء البريطاني هربرت صموئيل أن تقيم بريطانيا محمية يهودية في فلسطين.
وعارض غالبية الأعضاء هذه الخطة. وقتها كتب صموئيل: "من الغريب أن أكثر المؤيدين تمسكا بهذا الاقتراح هو لويد جورج الذي لا أحتاج إلى بيان أنه لا يهتم قيد أنملة بأمر اليهود أو بماضيهم أو مستقبلهم، ولكنه يرى أن ترك الأراضي المقدسة لتقع تحت سيطرة وحماية الفرنسيين الملاحدة هو بمثابة فضيحة." ولكن بعد سنتين أصدرت بريطانيا وعد بلفور، فما الذي تغير في حسابات بريطانيا؟ أحد علامات هذا التغير هو أن بريطانيا أعلنت وعد بلفور بعد أيام من ثورة أكتوبر في روسيا. فكل من بريطانيا والصهاينة رأوا أن إقامة دولة يهودية يعد حصنا للإمبريالية ضد انتشار الثورة. وبعد ذلك أوضح وينستون تشرشل، رئيس وزراء المحافظين، دوافع بريطانيا في تلبية طموحات الصهاينة: ".. إن دولة يهودية تحت حماية التاج البريطاني.. ذات فائدة ومتوافقة مع المصالح الحقيقية للإمبراطورية البريطانية ".
تطور الصهيونية
من خلال وعد بلفور وعدت بريطانيا الصهاينة بفلسطين والأردن. ولكن الضغوط من البلاد العربية أجبرت بريطانيا
على التراجع عن وعدها بخصوص الأردن عام ١٩٢٢ ، وقبلت غالبية قيادة الحركة الصهيونية بقيادة بن جورويون ووايزمان قرار بريطانيا بالاكتفاء بفلسطين، وبعدها قبلوا قرارا بريطانيا آخر بالحد من هجرة اليهود إلى فلسطين. وأدى ذلك إلى انقسام كبير داخل الحركة الصهيونية، حيث اعترضت أقلية بقيادة الكاتب البولندي فلاديمير جابوتنسكي على سياسات بن جوريون "الواقعية”. رأى جابوتنسكي أن الصهاينة عليهم أن يصروا على الاستيلاء على كلا جانبي نهر الأردن وأن يرفضوا الالتزام بأية حدود تفرضها بريطانيا. و أطلقت المنظمة الصهيونية العالمية اسم "الوطن" على مستعمراتهم في فلسطين. ولكن جابوتنسكي أصر على أن يتحدث الصهاينة علنا عن هدفهم في بناء دولة يهودية في فلسطين. ووصل برنامج جابوتنسكي إلى الدعوة إلى مراجعة إستراتيجية منظمة الصهيونية العالمية، وبالتالي وصف أتباعه "بالمراجعين" في الحركة الصهيونية العالمية. وكتب جابوتنسكي بفجاجة في مقال له عام ١٩٢٣ بعنوان" السور الحديدي": "نحن لا نستطيع تقديم أي تعويض لفلسطين أو للفلسطينيين ولا العرب الآخرين. ولذا فإن التوصل إلى اتفاق طوعي أمر مستحيل، يجب أن يستمر الاستيطان حتى في أقل الحدود، تحديا للسكان الأصليين.. وبالتالي يمكنه أن يستمر ويتطور فقط تحت حماية درع القوة الذي يشمل سورا حديديا لا يستطيع السكان المحليين اختراقه.. هذه هي سياستنا مع العرب، وأي محاولة لصياغتها بشكل مختلف ليست إلا نفاًقا."
كانت المؤسسات الأساسية للصهيونية العمالية في فلسطين هي الهستدروت أو الاتحاد العام للعمال في أرض إسرائيل،
والكيبوتزيم أو شبكة اتحادات المستوطنين التي قارنها البعض بمجموعات الاشتراكيين المثاليين، وهاتين المنظمتين انتقلتا إلى
دولة إسرائيل. ومن المذهل أن كثير من مؤيدي إسرائيل إعتبروهما تجليا للاشتراكية في المؤسسة الصهيونية، ولكن هذا جانب آخر من قصة الصهيونية حيث تصطدم الأسطورة بالواقع. فمنذ بدايته قصر الهستدروت عضويته على العمال اليهود، ولم يسمح بضم الفلسطينيين العرب ذوي الجنسية الإسرائيلية إلا في عام ١٩٦٠ . وبعد عام واحد من تأسيسه امتلك الهستدروت شركة قابضة وبنك لم يأت رأس مالهما من عضويته البالغة 5000 عضو، ولكن من الوكالة اليهودية للحركة الصهيونية العالمية. بكلمات أخرى عاش الهستدروت ولازال على دوره كنافذة لاستثمارات الصهيونية العالمية وشكل العمود الفقري في التحضير للدولة اليهودية. فقد أشرف على أغلب الجهود الاستيطانية الصهيونية والإنتاج والتسويق والتوظيف وكذلك الدفاع (عصابات الهاجاناه). وقد وصفه أحد قادته الأوائل، بنحاس لافون الذي أصبح فيما بعد وزير للدفاع: "إن الهستدروت منظمة عامة تقع في القلب من مجتمعنا.. إنه ليس نقابة عمالية رغم أنه يتعامل بكفاءة مع احتياجات العمال".
احتلال فلسطين
حاول الصهاينة إقناع العالم بأن فلسطين أرض بلا شعب، ولكن لأكثر من ١٣٠٠ عام كان يعيش فيها غالبية من العرب
المسلمين جنبا إلى جنب مع اليهود والمسيحيين. وفي عام ١٨٨٢ كان سكان فلسطين ينقسمون بين ٥٠٠ ألف من العرب و ٢٤
ألف يهودي. وبحلول عام ١٩٢٢ ، وبعد ٢٠ عاما من بدء الهجرة الصهيونية كان سكان فلسطين ٧٦٠ ألف نسمة وكان ٨٩%
منهم من العرب الفلسطينيين.
زرع الصهاينة موضع قدم في فلسطين من خلال تواطؤ كبار الملاك العرب المتغيبين في العشرينات، وضمنت السلطات
البريطانية نصيبا متميزا لهم من المياه والموارد الأساسية الأخرى. وبعد تدعيم وضعهم في فلسطين بدأ الصهاينة في تأسيس اقتصاد يهودي مستقل وحكومة تحت إشراف الانتداب البريطاني. وتحت شعار "أرض يهودية، عمل يهودي، منتج يهودي" بدأ الهستدروت والكيبوتزيم والتعاونيات الزراعية في طرد الفلسطينيين من أعمالهم، وكان أعضاء الهستدروت هم الأعنف في مواجهة الفلسطينيين. وناضل الفلسطينيون ضد نزع ممتلكاتهم وضد الخطر الصهيوني الصاعد. وفي عام ١٩٣٦ أعلنوا إضرابا عاما ضد تزايد الفقر وضد الصهاينة ومؤيديهم الإنجليز. واستمر الإضراب والانتفاضة المسلحة التي نتجت عنه قرابة الثلاث أعوام حتى أجهضا بسبب القمع الصهيوني والبريطاني. وأظهر الدور الذي لعبه الصهاينة في قمع الانتفاضة أن الصهيونية العمالية ليست لها أي علاقة بالتضامن بين العمال. فقد تعاون الصهاينة مع البريطانيين لكسر الإضراب بإحلال عمال يهود محل العمال العرب في ميناء حيفا والسكك الحديدية. كما أمد البريطانيون الميليشيات الصهيونية بالسلاح لتحطيم الانتفاضة الفلسطينية.ووصلت نسبة القوات البريطانية إلى ١٠ أضعاف الفلسطينيين المنتفضين ومع ذلك استمرت الانتفاضة ثلاث سنوات. كان عنف الانتفاضة ناتجا عن اتضاح التهديد الصهيوني لفلسطين. فعلى مدى الثلاثينات تزايد عدد السكان اليهود بمعدلات عالية. فقد توجه آلاف اليهود إلى فلسطين هربا من الاضطهاد في وسط وشرق أوروبا خاصة وأن بريطانيا والولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية لم تسمح لهم بالدخول إليها. وفيما بين ١٩٣١ و ١٩٤٥ تضاعف عدد اليهود من174 الف الي 608 ألف. ولكن حتى وقتها لم يكن اليهود يمثلون أكثر من ثلث السكان. وعندما أعلن قيام الدولة في ١٩٤٨ كانوا أقلية قوية وجيدة التسليح. ومع تزايد السكان اليهود تزايد كذلك التحريض والاستفزاز الصهيوني ضد الفلسطينيين.
الطريق إلى النكبة
ربما بدون الهولوكوست (المحرقة أو القتل الجماعي لليهود على أيدي النازي) لما قامت الدولة الصهيونية. فقد أتى
المهاجرون إلى إسرائيل من بين الآلاف الذين نجوا من الهولوكوست بعد دمار مجتمعاتهم في أوروبا. ولكن الأهم من ذلك أن
الصهاينة استغلوا المحرقة لتبرير إقامة دولة يهودية. فقد أدعوا أن المحرقة قد برهنت على أن كل غير اليهود هم ضمنيا
معادين للسامية. ولذا فاليهود الذين يعيشون في مجتمعات غير يهودية معرضين دائما للإبادة. ومع نهاية الحرب تبنت نسبة
كبيرة من اليهود وجهة النظر الصهيونية، فقد كان قضاء النازية على كافة الرؤى السياسية غير الصهيونية في المجتمعات
اليهودية وراء التأييد الكاسح الذي اكتسبته الصهيونية. ففي بداية الأربعينات كان النازيون يعكفون على قتل كل شيوعي أو
اشتراكي أو مناضل يهودي تقع عليه أيديهم. وأجبرت الحرب بريطانيا على الجلاء من الكثير من مستعمراتها بما في ذلك فلسطين، وتركت للأمم المتحدة تقرير مصير فلسطين. وفي نوفمبر ١٩٤٧ وافقت الأمم المتحدة على خطة للتقسيم أعطت الصهاينة % 55 من الأرض مع أنهم لم يكونوا يمثلون سوي ثلث عدد السكان. وأعلنت الخطة القدس مدينة عالمية يكون لليهود والمسلمين والمسيحيين حقوًقا متساوية فيها. وقد وافق على هذا القرار الإجرامي الاتحاد السوفيتي بقيادة ستالين وتبعه في ذلك الكثير من الأحزاب الشيوعية العربية في خيانة واضحة لقضية التحرر الوطني الفلسطيني ولكافة المبادئ الاشتراكية. وافق الزعماء الصهاينة على خطة التقسيم في العلن فقط، لكنهم من ناحية أخرى خططوا للاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية بالطرق العسكرية. واتحد الصهاينة على هدف اغتصاب البلاد، واستخدموا في ذلك الإرهاب والحرب النفسية والمذابح لإثارة الذعر بين السكان الفلسطينيين. وفي أشهر المذابح، قامت الميليشيات الإسرائيلية بقيادة مناحم بيجين واسحق شامير وكلاهما احتل فيما بعد منصب رئاسة الوزراء بإبادة قرية دير ياسين، ووصفت بعثة الصليب الأحمر المذبحة بأن العصابات أوقفت الرجال والنساء والأطفال ووجوههم للحائط وأطلقت عليهم الرصاص. وفي أعقاب المذبحة استغل الصهاينة التهديد بالمذابح لإجبار الفلسطينيين على ترك ديارهم وأراضيهم.
ومع نهاية الحرب سيطر الصهاينة على ٧٧ % من أراضي فلسطين وبها ٩٥ % من أجود الأراضي الزراعية في البلاد،
واستولت الدولة الصهيونية على ٨٠ % من الأراضي المملوكة للفلسطينيين وطردت أكثر من ٧٥٠ ألف فلسطيني من ديارهم وأحلت اليهود مكانهم.
ومنذ ذلك الحين تلعب الدولة الصهيونية دور كلب الحراسة للاستعمار في منطقتنا. فهي ليست سوى معسكر استيطاني
يخدم المصالح الامبريالية البريطانية سابًقا والأمريكية حاليا. وقد استخدمت وما زالت تستخدم تلك الإيديولوجية العنصرية
الصهيونية لتبرير جرائمها ولتوحيد صفوف مستوطنيها ضد الجماهير الفلسطينية والعربية. وعلينا دائما في نضالنا ضد
الصهيونية أن نفرق بين اليهودية والصهيونية وألا نرى الصهيونية كامتداد للدين اليهودي بل نراها على حقيقتها كحركة رجعية نشأت بين جاليات يهودية بعينها في أوروبا الشرقية واستخدمها وما زال يستخدمها الاستعمار لكسر آمال الجماهير الفلسطينية والعربية عمو ما في التحرر.

كتاب الإمبريالية والصهيونية والمقاومة

مركز الدراسات الاشتراكية

الاثنين، 2 نوفمبر 2009

الإمبريالية

شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عودة للاستعمار المباشر في منطقتنا ليس فقط بالاحتلال الأمريكي للعراق
بل بتشييد القواعد العسكرية في غالبية دول المنطقة. وبعد أن كان الحديث مع نهاية الحرب الباردة عن نهاية عصر الحروب
والاستعمار، أصبح الآن الحديث عن حرب عالمية دائمة ضد "الإرهاب". كيف لنا أن نفهم هذا الهجوم المسعور؟ هناك من
يطرح أن ما يحدث هو حرب ضد الإسلام أو مجرد الرضوخ لمؤامرات الصهاينة. ولكن الاشتراكية تطرح رؤية مغايرة لفهم ما يحدث. رؤية تطورت على أساس فهم تاريخي مادي لعلاقة الحرب والاستعمار بالنظام الرأسمالي العالمي في مراحله المختلفة. وسنحاول في السطور التالية تقديم عرضًا موجزًا لهذه الرؤية .
تقوم الرأسمالية على التنافس بين الشركات. كل شركة تحتاج إلى أن تعمق من استغلال عمالها لتستخرج أكبر فائض
ممكن وتستثمر الجزء الأكبر من ذلك الفائض في تطوير وتوسيع قاعدتها الإنتاجية لتزيد من الإنتاج وتقلل من التكلفة حتى
تستطيع التنافس مع الشركات الأخرى في السوق، وهو ما يؤدي إلى اتساع حجم الشركات.
ومن ناحية أخرى، يعاني النظام الرأسمالي من أزمات دورية تؤدي إلى إفلاس الشركات الأصغر والأضعف وإلى
ابتلاعها من قبل الشركات الأكبر. وبمرور الوقت يسفر هذا الوضع عن سيطرة عدد صغير من الشركات العملاقة على
قطاعات كاملة من الاقتصاد، وإلى حدوث تداخل وتشابك واندماج بين هذه الشركات والبنوك الكبرى.
الامبريالية في النصف الأول من القرن العشرين
أدت هذه التطورات مع بداية القرن العشرين إلى تداخل واندماج متنامي بين الشركات الرأسمالية الكبرى والدولة القومية
التي بدأت توسع من أدوارها في دعم وتنسيق وتنظيم رأسماليتها على المستوى القومي. ونتج عن ذلك تغيير هام في طبيعة
التنافس الرأسمالي نفسه. فالاقتصاديات الكبرى تحتاج إلى التوسع العالمي بحثا عن المواد الخام والأسواق ومجالات الاستثمار، مما شكل الدافع الرئيسي للتوسع الاستعماري للقوى الأوروبية في أفريقيا وآسيا في نهايات القرن التاسع عشر. وبدأ التنافس الرأسمالي آنذاك يتحول من تنافس اقتصادي بين الشركات إلى تنافس عسكري وسياسي بين الدول القومية الكبرى..
شكلت هذه التطورات قوة الدفع الأساسية وراء الحروب الكبرى خلال القرن العشرين، حيث اندلعت الحروب بين القوى
الإمبريالية المتصارعة بهدف إعادة تقسيم العالم فيما بينها. أسفر ذلك عن تنامي دور وحجم الدولة القومية على المستوى
الاقتصادي، ووصل إلى قمته خلال الحرب العالمية الثانية. حيث اندمجت الدولة مع رأس المال في شكل رأسماليات الدولة
القومية. هذا ما أتاح للدولة التدخل المباشر في توجيه الاقتصاد القومي، وهو ما دعت إليه الحاجة لتنظيم اقتصاد الحرب.
كان العالم خلال الفترة ما بين ١٨٧٥ - ١٩٤٥ متعدد الأقطاب على المستوى السياسي والاقتصادي. فلم تعد بريطانيا
هي الدولة الصناعية الوحيدة خلال غالبية القرن التاسع عشر. ونتيجة لتطور السكك الحديدية والبواخر والصناعات الحديثة،
ومن بينها صناعة السلاح، ظهر مفهوم "تصنيع الحرب". وأصبحت القوة العسكرية لأي دولة ترتبط بمستوى التصنيع. وخلال هذه الفترة أيضا شهد العالم توسعا استعماريا كبيرا، فالرأسمالية الاحتكارية كانت في حاجة للخروج من حدود دولتها المحلية، واندفعت في نزاع من أجل تقسيم العالم، وقد تركز هذا النزاع على المنافسة على المواد الخام والأسواق. وارتفع حجم المستعمرات الأوروبية من ٤,٣ مليون كلم مربع و ١٤٨ مليون نسمة عام ١٨٦٠ ، إلى ٤٦ مليون كلم مربع و ٥٦٨ مليون نسمة عام ١٩١٤ ، ولم يكن هذا التقسيم قد وصل إلى نهايته، فمعظم منطقة الشرق الأوسط على سبيل المثال كانت تحت الحكم العثماني، ولم تكن بريطانيا وفرنسا قد اقتسماها حتى أواخر الحرب العالمية الأولى.
أدى الاندماج بين الدولة ورأس المال إلى اشتعال الحروب الإمبريالية. فأصبحت النزاعات الاقتصادية بين الكتل
الرأسمالية القوية لا تحل إلا من خلال اختبار القوة العسكرية فيما بينها. وتم تحويل كل الموارد التي تحتاجها الدولة في الحرب الشاملة، فتحول الاقتصاد إلى تنظيم تابع لسيطرة الدولة. وخلال هذه الفترة، قامت الرأسمالية بنهب منظم للمستعمرات، ولكنها في نفس الوقت أدخلت النظام الرأسمالي في الإنتاج إلى تلك المستعمرات. فقد قامت بريطانيا مثلا بنهب منظم لثروات الهند، ولكنها أيضا أدخلت السكك الحديدية والطرق وبعض الصناعات لخدمة مصالح بريطانيا، مما أدخل الهند في النظام الرأسمالي وخلق بدايات رأسمالية وطبقة عاملة هندية، وقد حدث نفس التطور بالنسبة لمصر خلال الاستعمار البريطاني لها منذ عام 1882
وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

إمبريالية القوى العظمى (1945 - 1990)
مع نهاية الحرب العالمية الثانية شهد النظام الإمبريالي العالمي تحولا كبيرا. فقد أنهكت الحرب القوى الرأسمالية
التقليدية. وقد طال الإنهاك كل من المنتصرين والمهزومين: بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، اليابان، وإيطاليا. على جانب آخر خرجت الولايات المتحدة من الحرب وهي قوة عظمى ذات اقتصاد قوي مزدهر يسيطر على نسبة كبرى من الإنتاج العالمي. أما الاتحاد السوفيتي، الذي كان قد تحول تماما على يد ستالين من دولة عمالية اشتراكية إلى نظام رأسمالية دولة في الثلاثينات، فقد استطاع أن يخرج من الحرب كثالث أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد كونت الكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة حلف الناتو (شمال الأطلنطي)، بينما شكلت الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي، حلف وارسو، وأصبح العالم نتيجة لذلك ثنائي القطبية على المستوى السياسي، ولكنه ظل متعدد الأقطاب على المستوى الاقتصادي. فالمنافسة الاقتصادية ظلت قائمة، بينما انتهت النزاعات العسكرية بين الدول المنتمية إلى نفس الكتلة.
وبينما كانت الولايات المتحدة تعتمد بالأساس على قوة اقتصادها في السيطرة على المعسكر الغربي، فإن الاتحاد
السوفيتي قد أعتمد على قوته العسكرية التي بناها على حساب معيشة جموع العمال والفلاحين في إطار سباق التسلح مع القطب الأمريكي. وتكرست على هذا الأساس مرحلة جديدة من مراحل الإمبريالية العالمية هي مرحلة الحرب الباردة. ونظرا للأنتعاش الاقتصادي الطويل الذي ساد الاقتصادي العالمي في الفترة من الأربعينات وحتى السبعينات، فقد اتسمت هذه المرحلة بوجود مساحة اقتصادية واسعة تدور داخلها المنافسة بين الرأسماليات دون أن يؤدي ذلك إلى صراعات عسكرية كبرى من النوع الذي كان مزمنا قبل ١٩٤٥ . وهكذا رأينا العالم منقسما إلى كتلتين تتنافسان على السيطرة على العالم في ظل ردع نووي مرعب لا مجال فيه لخوض حروب عالمية.لم تشهد المنافسة الإمبريالية بعد ١٩٤٥ حروبا بين الدول العظمى، ولكن الحروب استمرت مع ذلك على أطراف النظام. فقد نشب ما يقرب من ٨٠ حربا بعد عام ١٩٤٥ ، راح ضحيتها ما بين ١٥ و ٣٠ مليون شخص. بيد أنه حدث خلال الحرب الباردة تغيرا هاما في التوازن الاقتصادي بين الدول الرأسمالية الكبرى. ففي حين كانت الولايات المتحدة غارقة في الإنفاق العسكري الكبير وسباق التسلح، استطاعت الدول الأوروبية واليابان، وهي تحت الحماية العسكرية الأمريكية، أن تركز استثماراتها في الصناعات المدنية، وبالتالي أن تضاعف معدلات نموها وصادراتها. نتج عن ذلك في نهاية الستينيات انخفاض حاد في التفوق الاقتصادي النسبي الأمريكي، مما انعكس في انخفاض قيمة الدولار أمام الين الياباني والمارك الألماني، وأدى هذا بالتضافر مع عوامل أخرى إلى اندلاع أزمات جديدة في النظام العالمي مع بداية السبعينيات.
وقد شهدت أيضا فترة ما بعد الحرب نموا متزايدا لما يسمى اليوم "العولمة الرأسمالية". فالشركات المتعددة الجنسية
استطاعت إعادة تنظيم عملياتها الإنتاجية على المستوى العالمي، وأصبحت التجارة العالمية في السلع الصناعية تستحوذ على
نسب متنامية من الدخل القومي للدول الرأسمالية الكبرى، وزادت الأسواق المالية من قدرتها على تحريك الأموال عبر الحدود الدولية. هذا السياق الذي اتخذته الرأسمالية الحديثة في تطورها خلق وعمق مع الوقت تناقضا رئيسيا ما بين تركيز رأس المال على النطاق القومي، وبالتالي ارتباطه الوثيق بالدولة القومية، وبين عولمة النظام من خلال الشركات متعددة الجنسية والتجارة العالمية واندماج الإنتاج على النطاق العالمي. والحقيقة أن هذا التناقض هو قوة الدفع الرئيسية للحروب خلال القرن الماضي والحالي. فقد كانت السمة الأساسية لهذه المرحلة هي تدويل رأس المال، وزيادة أهمية التجارة العالمية، وخلق دوائر مالية عالمية لا تستطيع الدول لقومية السيطرة عليها. فلم تعد الدول القومية قادرة على السيطرة على حركة رأس المال، وكانت أكثر الدول التي تأثرت سلبا بهذه التطورات هي البلدان التي تلعب فيها الدولة دورا كبيرا في عملية الإنتاج الرأسمالي، مثل الاتحادالسوفييتي وأوروبا الشرقية.
الإمبريالية بعد الحرب الباردة
في إحدى المرات عبر برجينسكي وقد كان مستشار الأمن القومي لكارتر وأحد أهم مستشاري إدارة كلينتون عن
منطق الاستراتيجية الأمريكية في حقبة ما بعد الحرب الباردة فيما أسماه "الأهداف الأساسية الكبرى للإستراتيجية الإمبريالية"، وهي "الحفاظ على الأمن بين الدول العميلة للإمبريالية الأمريكية، مع منع التقارب والتعاون المباشر بينها، وتقوية التعددية الجيوسياسية على الخريطة الآسيوية/ الأوروبية من خلال المناورة لمنع ظهور تحالف معادي يستطيع مع الوقت تحدي الهيمنة الأمريكية."
لكن مع مطلع القرن الجديد تفاقمت المعضلات التي تعيق الولايات المتحدة عن تحقيق مشروعها الإمبريالي. فمن جانب
هي تملك قدرة وتفوق عسكريين بعيدي المنال بالنسبة لأي متنافسين في الوقت الحالي أو في المستقبل المنظور، لكن من جانب آخر هي لا تملك القدرة الاقتصادية على إعادة بناء الاقتصاد العالمي الذي يعاني من ركود عنيف في مراكز النظام (ومدمر في أطرافه). يختلف هذا الوضع اختلاًفا واضحا عما كان عليه الأمر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ففي ١٩٤٥ كانت الولايات المتحدة تنتج أكثر من نصف الإنتاج الصناعي العالمي إلى جانب امتلاكها لأقوى قدرات عسكرية، مما مكنها ليس فقط من الهيمنة عسكريا على العالم الغربي وعلى مناطق النفوذ التي فقدتها القوى الاستعمارية القديمة (بريطانيا وفرنسا)، لكن أيضا من الهيمنة الاقتصادية شبه المطلقة وإعادة بناء أوروبا واليابان. ولقد استطاعت الإمبريالية الأمريكية من الحفاظ على هيمنتها خلال الحرب الباردة، فكان هناك قبولا أوروبيا ويابانيا تاما لهذه الهيمنة في مقابل الحماية التي توفرها لهم ضد التهديد السوفيتي، بالإضافة لقيامها بتأمين وتمويل الاستقرار والنمو الاقتصادي لأوروبا واليابان طوال تلك الفترة.
لكن مع نهاية الحرب الباردة بدأت التناقضات في الظهور، فمن جانب اختفى التهديد السوفيتي وتنافسه الاستراتيجي مع
الولايات المتحدة وحلفائها. ولم تعد البلدان الأوروبية واليابان في نفس الحاجة للحماية العسكرية الأمريكية وبالتالي لقبول
أولويات الإمبريالية الأمريكية على المستوى الاستراتيجي. ومن جانب آخر تغيرت الخريطة الاقتصادية للعالم، ففقدت الولايات المتحدة تفوقها المطلق وأصبحت تنتج أقل من ٢٥ % من إجمالي الناتج العالمي، بينما تنتج بلدان الاتحاد الأوروبي نفس النسبة تقريبًا، وتنتج اليابان وحدها أكثر من نصف هذه النسبة. هذا التضاؤل النسبي للقوة الاقتصادية الأمريكية يتناقض بحدة مع قدرتها العسكرية المتزايدة. فالولايات المتحدة مسئولة وحدها عن ٣٦ % من الإنفاق العسكري العالمي. ويتزايد هذا الإنفاق بمعدلات سريعة جدًا، فقد وصل إلى ٣٠٤ بليون دولار عام 2000، وزاد إلى ٣٥١ بليون دولار عام 2001 ، وتم اعتماد ٣٩٦ بليون دولار لعام ٢٠٠٣ ، وقد تجاوز ٤٧٠ بليون دولار عام ٢٠٠٧ ! هذا التناقض الحاد ما بين القدرات الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة هو ما يخلق المعضلة الرئيسية أمام مشروعها الإمبريالي. من هنا يمكن أن نفهم التحولات في السياسة الأمريكية للتوسع وفرض السيطرة والنفوذ عن طريق الحروب العسكرية المباشرة.
النفط وسياسات الإمبريالية الأمريكية
خلال الفترة الممتدة بين 1940 - 1967 استطاعت الشركات الامريكية أن تزيد من حصتها في احتياطي بترول الشرق الأوسط من ١٠ % إلى ٦٠ %، بينما تضاءلت حصة الشركات البريطانية من ٧٢ % إلى ٣٠ % في نفس الفترة. وليس هناك
مجالا للشك في أن النفط هو العامل الاستراتيجي الأهم في تحديد سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فإلى جانب
الأرباح المباشرة التي تجنيها شركات النفط الأمريكية بفعل استغلالها للنفط في المنطقة، فمن المهم أيضا ملاحظة أن لدى
الولايات المتحدة ٢% فقط من احتياطي النفط العالمي في حين أنها تستهلك ٢٥ % من إنتاج النفط العالمي سنويا. ومن ثم فأن
هذا الوضع يدفعها بشكل دائم لمحاولة السيطرة على منابع النفط العالمي وتأمينها.
وفيما يتعلق بالعراق فإنه يمكن إدراك مدى أهمية قدراته النفطية بالنظر إلى أن الأراضي العراقية تحتوي على ١٠٠
بليون برميل بترول احتياطي، أي ما يمثل ١٢ % من احتياطي النفط العالمي. وحتى وقتنا الحالي، يوجد ٧٣ حقل بترول
مكتشف حتى الآن، بينما لا يتم الانتفاع حاليا سوى بثلث هذه الحقول. وقدرت وزارة الطاقة الأمريكية أن هناك نحو ٢٢٠
بليون برميل في شكل احتياطيات لم يتم اكتشافها بعد، وهو ما يعني أن إجمالي النفط العراقي يكفي استهلاك الولايات المتحدة
من النفط بالمعدلات الحالية لمدة ٩٨ عاما. وقد بدأت الشركات النفطية الأمريكية الكبرى الاستعداد للعودة إلى العراق وإيران. وكما صرح رئيس أحدها لجريدة نيويورك تايمز في شهر أكتوبر ٢٠٠٢ "لقد دخلنا قطر وعمان للحصول على موطئ قدم في الشرق الأوسط.. نحن نحتاج أن يكون لنا وضع في الشرق الأوسط استعدادا لحين عودة العراق وإيران إلى عائلة الأمم."
إن الحرب الامبريالية في العراق والتحضير لحصار وضرب إيران وما يسمى الحرب على الإرهاب هي أجزاء مفصلية
من الاستراتيجية الأمريكية لفرض الهيمنة، ليس فقط بالتحكم في منابع البترول، بل بالاستعداد للمرحلة القادمة من التنافس
العسكري والحروب الكبرى والتي ستفرض نفسها علي المسرح العالمي مع التضاؤل النسبي للاقتصاد الأمريكي والصعود
السريع لقوي عالمية أخري مثل الصين المتعطشة للطاقة والمواد الخام والأسواق والنفوذ.
ندخل اليوم ونحن نقارب نهاية العقد الأول من القرن العشرين أخطر مراحل تطور المنظومة الامبريالية. فالحروب
الآتية لن يحكمها ذلك التوازن النسبي الذي ساد خلال الحرب الباردة، ولن تقف عند حدود الدمار الذي شهده العالم خلال
الحرب العالمية الثانية. فتعدد مراكز التراكم الرأسمالي، وبالتالي تعدد القوي العسكرية والسياسية والقدرات التدميرية الهائلة
للقوي الكبرى الجديدة منها والقديمة في عالم تتحكم فيه فوضى السوق الرأسمالي، يعنى أن الحرب والخراب والموت
والاستعمار والقهر في القرن الواحد وعشرين سيتجاوز كل ما عانته البشرية خلال القرن الماضي. على أن علينا ألا ننسى أبدا أن الورطات الاستعمارية الأمريكية لها ثمن باهظ مقارنة بأي مشروع استعماري آخر في تاريخ الإمبريالية. الولايات المتحدة اليوم تغامر بهيبتها ومستقبلها. ذلك أن حركات مناهضة الاستعمار ستكون اليوم – بفضل التطورات في التكوين الطبقي للبلدان الرأسمالية المتأخرة – أقوى من أي وقت مضى. وهذا ما سيغذي التوتر الحادث بالفعل في الصراع الدولي (وهو التوتر الذي تحاول أمريكا أن تستبق تطوراته بسياستها الهجومية).
باختصار لن تؤدي سياسة الهجوم ألاستباقي الأمريكية إلا إلى تصعيد التناحر في قلب الصراع الدولي وفي النضال
الطبقي على المستوى الأممي. نرى الأدلة على هذا اليوم في فلسطين والعراق وأفغانستان، كما نراها في حركات مناهضة
الحرب والاستعمار والرأسمالية عالميًا. ومن المتوقع أن نرى أدلة جديدة غدا وبعد غد في كل أركان العالم. ذلك أن أهم حقيقة
نعيشها الآن هي أن عالمنا أصبح، بشكل متزايد، لا يقبل قانون "الربح فوق البشر" الذي تعده الرأسمالية دستورها المقدس.

من كتاب الإمبريالية و الصهيونية و المقاومة

مركز الدراسات الالاشترتراكية
مارس ٢٠