الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

الامبريالية الانسانية(خديعة منظمات العمل المدني)

من شاهد الجزء الجديد من فيلم ستار تريك سيشعر فى الاغلب انه ليس من قبيل المصادفة أن يقوم الكابتن بايك بضم جيم كريك , الشخص السكير و المتهتك كثير الشجار الى اسطول النجوم و يسميها الارمادا الانسانية للاتحاد الفيدرالي للكواكب . و بدون أى تقليل من شأن العمل الفني أو محبيه فأن تلك الفكرة تلخص طريقة اخفاء الامبريالية الامريكية لتدخلاتها التوسعية داخل خطب الدفاع عن ضحايا القمع و الاستبداد.
العديد من المفكرين اليسارين السابقين و الذين تحولوا الى الليبرالية مثل "كريستوفر هيتشنز" الصحفى المشهور ذو الاصول البريطانية و الذي اصبح من اكبر دعاة الالحاد تبنوا فكرة النزعة الانسانية للامبريالية كموقف مبدأى بالنسبة لهم . هؤلاء المثقفون قد عادوا الى دورهم التقليدي كطبقة من الكهنوت العلماني فى بلاط الامبريالية– على حد تعبير جان بريسمونت الفيزيائى البلجيكي.
العديد من الكتب المنشورة حديثاً تحلل التدخلية الانسانية و المدافعين عنها . فى كتابه " الخيط الازرق الرفيع", وضح كونور فولوي كيف أن الولايات المتحدة تجد متعاونون طواقون لمساعدتها من بين منظمات المجتمع المدني الانسانية . فولوى هو شخص على دراية بهذا المجال حيث انه عمل تقريباً فى كل التدخلات " الانسانية" من كوسفو الى افغانستان . هو ليس مناهض للامبريالية و لكنه انزعج من التاريخ الكارثي لتواطؤا منظمات المجتمع المدني مع القوى الغربية , و الكوارث التى سببوها فى كوسفو و اماكن اخرى فى العالم .
و قد وضح فلوى انه بعد الحرب الباردة اتجهت الولايات المتحدة الى الالة الدولية مثل الامم المتحدة , منظمة معاهدة امريكا الشمالية, و المحكمة الجنائية الدولية المنشأة حديثاً لكي تُقود السيادة الوطنية بزعم حماية حقوق النسان من الانتهاكات أو فرض تسويات السلام . القوى الغربية استخدمت ميثاق الامم المتحدة , اتفاقيات الامم المتحدة الخاصة بالابادة الجماعية و حقوق الانسان , و المبادئ الجديدة مثل " مسئولية الحماية" لتبرير كل تداخلاتها الجديدة .
فولي يعدد كيف ان الانسانية السياسية نشأت و تطورت بين منظمات المجتمع المدني مثل مجموعة برنارد كوشنر أطباء بلا حدود لتكملة التدخل الامريكي. تلك التكوينات نمت فى الفترة التى كان فيها اليسار التقليدي يعاني من خيبة أمل بسبب فشل أنظمة حكم مابعد الاستعمار و سقوط الستالينية و كان يضمحل برؤساء أحزابه مثل كوشنير نفسه ( وزير خارجية فرنسا الحالي) , منظمات المجتمع المدني " الانسانية" تخلت عن مبدأ الحياد الذى تتبعه فى النزاعات , فطالبت بتدخلات عسكرية من قِبل القوى الغربية , علاوة على مساعدتهم فى الغزو و الاحتلال.
و لقد كتب فولي ," الكيانات التي تم انشائها لرفع المعاناة عن البشر , اصبحت – فى عدة مواقف- المنوطة بايجاد قضايا لشن الحرب دفاعاً عنها . فمنظمة كاير حرضت لتدخل الولايات المتحدة فى الصومال لانهاء المجاعة فى أوائل التسعينات. أما WORLD VISION و HUMAN RIGHTS WATCH
فطالبوا باجراء عسكري ضد صربيا لحماية المسلمين.
OXFAM
دافعت عن هجمات الناتو ضد صربيا لايقاف التطهير العرقي فى كوسفو .
الولايات المتحدة اعربت عن سعادتها بالتعاون مع منظمات مجتمع مدني كالسابقة فى مجالات التخطيط العسكري , العمليات العسكرية , و احتلال ما بعد الحرب . وزير الخارجية الامريكي الاسبق كولن باول صرح بأن المنظمات الانسانية غير الحكومية فى افغانستان كانت " قوة داعمة لنا , و جزء مهم فى فريق دفاعنا " بعد الغزو العسكري ,يلاحظ فولي " وكالات الاغاثة قد حلت محل أنظمة العلاج , التعليم و الرفاهة الحكومية"
فولي لا يكبت أفكاره عن النتائج الكارثية لهذا التعاون فى كل مكان من الصومال الى كوسفو الى أفغانستان و العراق . بل انه يذهب الى الحد الذى يشكك فيه من صلاحية عدة مؤسسات دولية مثل محكمة العدل الدولية لأنها تخضع
لمجلس الأمن و القوى الغربية , خاصة الولايات المتحدة .
و على الرغم من ذلك , فهو شكك فى نقد اليسار للتواطؤا بين تلك المنظمات و الامبريالية . فهو كعامل فى ذلك الحقل , يدافع عن موقف حياد المنظمات غير الحكومية , و يحمل بداخله أمل فى اصلاح القوانين و المؤسسسات الدولية التى تستطيع أن تراعي التدخلات الانسانية بل و تدافع عنها كشر لبد منه. و لكنه مع كل هذا ينهي كتابه باعتراف على استحياء أن تلك المنظمات من الممكن أن تكون " جزء آخر من المشكلة" .
أما محمود ممداني قدم نقد أكثر حدة فى كتابه الجديد: (المنقذون و الناجون للانسانية السياسية) عن طريق دراسة حالة (حملة تحالف انقاذ دارفور) لحمل الولايات المتحدة للتدخل فى السودان.ممداني استاذ فى جامعة كولومبيا و الكاتب العبقري لنقد العنصرية ضد العرب و الاسلامفوبيا ( المسلم الطيب و المسلم الشرير)
و هو يبرهن على ان " لوبي انقاذ دارفور يطالب على قمة مطالبه : العدل , وحق المجتمع الدولي –أو بالأحرى القوى الكبرى و مجلس الأمن لمعاقبة الدول " الفاشلة" أو " المارقة" , حتى و لو تم ذلك على حساب زيادة اراقة الدماء و تقليل امكانية التصالح .... فى مفهومها الحالي , فأن المطالبة بالعدل هو قناع لاخفاء أجندة القوى الكبرى لاعادة استعمار أفريقيا"
ممداني يكشف نفاق الولايات المتحدة فى ادعائها الاهتمام بدارفور فى الوقت الذى كانت فيه واشنطن فى مستنقع القتل الجماعي , التعذيب و التطهير العرقي فى العراق. و يقول انه تحت دموع التماسيح التى تذرفها الولايات المتحدة على المذابح الجماعية فأنها تهدف الى الضغط بقوة على استثمارات الصين فى السودان و التي تتركز فى استثمارات صناعة البترول السوداني , و ايضاً استهدافها للحكومة الاسلامية السودانية كجزء من " حربها على الارهاب"
و فى الوقت الذى كانت حركة مناهضة الحرب تحشد قوتها ضد العسكرة الامريكية , فأن تحالف انقاذ دارفور و جناح الجامعة بها الطلاب يتحركون الآن يا دارفور بنت حركة حاشدة مؤيدة للحرب تطالب بالتدخل العسكري فى السودان .
حملة ائتلاف انقاذ دارفور بنيت على أكاذيب . فقد زعم الائتلاف أن الحكومة العربية و الاسلامية كانت تنوى القيام بمذبحة جماعية ضد السكان المسيحين و ذوى الأصول الزنجية فى دارفور . و بطريقة مشينة ضخم الائتلاف أعداد القتلى فى دارفور بزعمه أن الحكومة السودانية و الميلشيات الموالية لها قتلت 40000 فى دارفور بين 2003 و 2005 .
أكثر الابحاث مصداقية قام به منتسبون لمنظمة الصحة العالمية وجد 131000 زيادة فى الوفيات اغلبها من الأمراض و سوء التغذية .
بالاضافة الى ذلك , بعد أن دبر الاتحاد الافريقي صفقة سلام فى 2006 , قلت معدلات العنف عن مناطق أخرى بافريقيا بها نزاعات .
و يقوض ممداني الضعف الاخلاقي لما يقوله الائتلاف بأن العرب الاشرار يقتلون السود الأفارقة الطيبون . يوضح ممداني أن الصراع المركب فى دارفور بدأ بالكارثة الايكولوجية التي عجلت بقيام الحرب الأهلية بين مجموعات من الفلاحين المستقريين . و أكد فى كتابه على استحالة تقليل ذلك النزاع ما بين السكان ذوى الأصول العربية و السكان ذوي الصول الزنجية أو بين المسلمين و المسيحين . و يوضح أيضاً أن الاعمال الوحشية و خاصة الاغتصاب قام بها كلا الجانبين.
السياسة الامريكية الحالية تجاه السودان , و التى تنحاز الى جانب واحد من الصراع, فاقمت المشكلة بدلاً من حلها . الولايات المتحدة ضغطت على محكمة العدل الدولية لتجاهل الفظائع و الأعمال الوحشية التى قام بها المتمردون و ادانة الرئيس عمر البشير فقط بتهمة الابادة الجماعية . تلك الحركات الهمت الثوار الذين رفضوا سابقا تسويات السلام و استمروا فى قتال الحكومة المركزية .
و بدلا من الدعوة الى التدخل الغربي , يدعو ممداني الى تسوية افريقية اقليمية تدعو الى المصالحة و محاولة فضح جرائم الحرب بدون فرض عقوبات .بالنسبة الى النشطاء الدوليون المهتمون بتلك الكارثة , فهو ينصح بالعودة الى تراث اليسار من التضامن مع افريقيا ضد الامبريالية .
فى كتاب جان بريسمونت الجدلي الصغير , الامبريالية الانسانية , يحاول أن يشرح لماذا أمن العديد من اليساريين بفكرة التدخل العسكري لأسباب انسانية . بريسمونت هو طبيب نفساني بلجيكي اصبح معروف بسبب كتابته لكتاب مع الان سوكال بعنوان " الترهات الرائجة " و هو كتاب رائع موجه ضد أفكار مابعد الحداثة .
بريسمونت يدافع عن تراث من مناهضة الامبريالية و التضامن و مساعدة العالم الثالث . و يجادل بأن اليسار يواجه العدوان الامبريالي الذى تقوده الولايات المتحدة ليحافظ على مفتاح نصر القرن العشرين و هو التحرر من الاستعمار . الولايات المتحدة تستخدم الانسانية كغطاء لهجوم شامل على العامل الثالث و تنتهك سيادة تلك الدول و السيطرة و الهيمنة على القانون الدولي .
و مع ذلك , فأن اليسار لم يكن مسلح جيداً لمواجهة تلك الهجمة الجديدة أغلب اليسار كما يقول " فولي" عانى من خيبة الأمل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و فشل أنظمة مابعد الاستعمار بالاضافة الى أن اليمين نظم حملة ذات تمويل ضخم بمشاركة العديد من اليسارين السابقين لاعطاء شرعية الى الامبريالية أو كما اسماهم بريسمونت " الحمقى المفيدون للامبراطورية" , الذين يدارون التناقضات بين الماضي و الحاضر المريع للامبريالية و نواياها الانسانية المُدعاة .
لاحصاء الآراء المناهضة للامبريالية يجادل بريسمونت بأن اليسار يجب أن يأكد على التزامه بالأممية و حقوق الانسان و يجب أن تفضح كذب ادعاء الامبريالية بايمانها بالانسانية عن طريق ايضاح الأضرار التي حدثت فى الماضي و المستمرة الى يومنا هذا .
و يبين كيف أن الامبريالية جلبت الفزع عبر الاستعمار و استمرت فى مخططها هذا حتي بعد استقلال الدول المُستعَمرة .الولايات المتحدة اطاحت بالحكومات التقدمية و أتت بديكتاتوريات رجعية و المثال النموذجي لذلك هو مساندة الولايات المتحدة لانقلاب بيونشيه على سلفادور الليندي فى تشيلي و يؤكد فولي أن هذا التاريخ لم ينتهي و أنه مستمر فى حروب العراق و افغانستان و احتلالهم الى الآن . و بأخذ تلك الحقائق فى الاعتبار فأنه لا توجد أى أسس لتصديق نوايا الولايات المتحدة الخاصة بحماية القيم الانسانية أو اخذها فى الاعتبار .
كتاب بريسمونت , يعتبر كتاب جيد و لكنه غارق فى خلق الاعذار و التبريرات لخيانات الستالينية و فشل حكومات العالم الثالث القومية و لاعادة بناء يسار بشكل قوي و هو من أهداف بريسمونت يجب ان نواجه الامبريالية و ننقد الستالينية و قمع الديكتاتوريات القومية التى تعرقل تحول عالمنا و هو أيضاً يُضخم من قدرة اليسار على استخدام الأمم المتحدة أو القانون الدولي لمقاومة الامبريالية الأمريكية .
أما كتاب تشينا ميفيل " بين الحقوق المتساوية" فهو تصحيح مهم للقناعة المنتشرة بأن القانون الدولي هو وسيلة لمنع الحروب و القمع فى الدول الخاضعة له .
ميفيل يبين أن القانون الدولي هو نتاج للامبريالية و هو فى الواقع آلة لسيطرة القوى الكبرى و ليس أداة للمعارضة التقدمية . و يعود فى رأيه الى المنظر القانوني البلشفي ايفني باشانيس ليأكد أن تبادل السلع تحت امرة الرأسمالية هو ما خلق القوانين بشكله الحالي.
سواء أكان بين العمال و رؤساء العمل اتفاق على أجر العمل أو بين البائع و الشاري , فأن تبادل السلع يأخذ شكل عقد بين أفراد متساوون فى المركز القانوني لذا ظهر العقد القانوني و القانون كعلاقة اجتماعية كلية بين الأفراد و أيضاً بين الدول فى النظام الدولي .
و يوضح ميفيل أن الاجبار و الاكراه هو جوهر هذا الشكل السلعي للقانون و يقول فى كتابه " العنف –الاكراه – هما فى قلب هذا الطابع السلعي و لذا فهما جوهر العقود . بالنسبة الى السلعة لتتحول من ملكيتي الى ملكيتك فتصبح معروضة للتبادل فأن بعض القدرات المفروضة يتم تضمينها . و لأن فى حالة عدم وجود شئ يدافع عن " ملكيتي" فلن يكون هناك رادع الى ان تتحول الى " ملكيتك" فى تلك الحالة لن تستمر كسلعة لأني الأن أقوم بمبادلتها . لذا فالاكراه ضمني"
بالاضافة الى ذلك , فأن المساواة القانونية تخفي تحتها عدم المساواة الفعلي . فى النظام العالمي , الدول الرأسمالية المتقدمة و الأمم المقموعة ليسوا متساون فى الحقيقة . لذا فى السياق القانوني القابل للتفسير فأن الدولة ذات القوة الأكبر سيتم تفسير القانون فى مصلحتها ضد الدول الأقل شأناً و لتلخيص تلك النقطة يقتبس ميفيل ملاحظات ماركس حول أنه فى حالة المساواة فى الحقوق فأن القوة تكون هى العامل الجاسم .
هذا بالتحديد هو القانون الدولي حيث أنه لا توجد دولة سيادة لتراقب و تطبق أحكام القانون على خلاف القوانين الداخلية . فالنتيجة تكون أن تفسير و تفعيل القانون الدولي تقوم عليه الدول الرأسمالية الأقوى . و كما يقول ميفيل " لهذا فأن القانون الدولي قانون متناقض . فهو فى حد ذاته علاقة أصيلة بين أنداد و لكن الدول الأضعف لا تستطيع أن تحلم بأن تفوز "
لذا فأن النداءات الخاصة باستخدام القانون الدولي غير قادرة على مقاومة الامبريالية . فعلى سبيل المثال محكمة العدل الدولية حكمت بأن الولايات المتحدة قد انتهكت سيادة دولة نيكارجوا عن طريق دعمها مجموعة المتمردين (كونتراس) وزرع ألغام فى مؤانئ البلد و لكن الولايات المتحدة تجاهلت الحكم و جادلت بأن هذا الأمر خارج اختصاص محكمة العدل الدولية و أبطلت توصية من مجلس الأمن كان من شأنها أن تعزز الحكم و أن تمنعها من تكرار ذلك الأمر مرة أخرى .
و كما يوضح ميفيل " من وجهة نظر اليسار , فأن هذا يعتبر دليل على أن أمريكا لديها القدرة و القوة على أن تفلت من تطبيق القانون بسبب حصانتها , و بالتالي فأن تفسير الولايات المتحدة للقانون هو الذى طُبق و أن ذلك يرسخ فكرة أن الامبريالية هى المتحكمة فعليا فى القانون الدولي . و لذا فأن القانون الدولي يفقد دوره كأداة فعالة فى يد القوى التقدمية "
و يوضح ميفيل بأننا لم ندخل مرحلة جديدة من الامبريالية التى يكون فيها المجتمع الدولي المزعوم يستخدم القانون الدولي ليمحي الاستقلال الوطني . و هو يشير الى أن الامبريالية و قانونها الدولي فى الوقت الذى تستند فيه على فكرة سيادة الدول فأنها دائما ما تبني فكرة السيادة تلك على أساس أن القوى الكبرى تستطيع ان تتدخل فى الدول الأخرى . الولايات المتحدة و القوى الأخرى يستخدمون الانسانية السياسية و المؤسسات الدولية المتعددة كتبرير ايديولوجي و أدوات فى النزاعات الداخلية ما بين قوى الامبريالية لتتدخل فى الدول الأكثر ضعفاً
" الدفاع الليبرالي للقتل " و هو كتاب ريتشارد سايمور الجديد يعتبر عمل ابداعي بحق , يشن الكاتب فى هذا الكتاب هجوم شديد على اليسار المدافع عن الحرب و كذلك أشباههم من الليبرالين و الاصلاحين الذين يساندون الامبريالية من أيام الاستعمار الأوربي الى الشكل الحالي للامبراطورية الأمريكية . سايمور معروف بهجماته تلك التى كان ينشرها على مدونته مقبرة لينين Lenin's tomb
سايمور يبين كيف أن الرموزالمضيئة لليبرالية سلحت طبقتها الحاكمة بمجموعة أفكار مثل سيادة البيض لتبرير الغزو و الحروب و الاستعمار مثلا جون ستيوارت ميل كتب فى مقالته الشهيرة " عن الحرية و الاستبداد " الحكم المطلق أسلوب شرعي للحكومات لتتعامل مع البرابرة على شرط أن يكون الهدف هو تحسينهم و الغاية تبرر الوسيلة "
سايمور يكشف أيضاً كيف أن الامبريالية الوربية انتجت معارضتها الثورية و هى الماركسية . الماركسية التى تبنت و دافعت عن ثورة الطبقة العاملة فى العالم ضد الرأسمالية و اساطيلها و جيوشها و دولها و قد جادل سيمور بأن اليساريين الذين انتهي بهم المطاف فى صفوف الرأسماليين أو فى صفوف الليبرالين المدافعين عن الامبريالية قد هجروا الماركسية ليتجهوا الى الاصلاحية هؤلاء كانوا و منذ البداية اصلاحيون . الفابيون الانجليز و حزب العمال البريطاني على سبيل المثال دائما ما كانوا مساندين لحكم الامبراطورية البريطانية للهند و المستعمرات الأخرى .
و للأسف فأن اشتراكيين الأممية الثانية كانوا اصلاحيون عشية الحرب العالمية الأولي فبدلا من مواجهة و معارضة تلك المذبحة بين الدول الاستعمارية على التقسيمات الاستعمارية للعالم فساند هؤلاء حكوماتهم الرأسمالية . و بلاشفة لينين و قلة من الثوريين الأوربين المنشقين عن أحزابهم كانوا استثناء وسعوا لانهاء الحرب عبر الاطاحة بالرأسمالية المُشرئبة بالروح العسكرية فى دولهم .
و نجح البلاشفة فى ذلك و لكن كل الثوار الاخرون فشلوا و مع عزل الدولة العمالية و التي عانت من الثورة المضادة و الانقلاب على الثورة على يد ستالين و الدولة البيروقراطية فتحولت الستالينة ( الدولة العمالية سابقا) الى قوة امبريالية فى حد ذاتها تحتل أوربا الشرقية . و بعد ذلك أمرت الأحزاب الشيوعية التابعة لها بأن تقوم بكسب تحالف دولها مع روسيا لذا فقد ساند الحزب الشيوعي الفرنسي الحكم الاستعماري لفرنسا فى الجزائر .
و بعد فضح تاريخ الامبريالية الأوربية و المدافعين عنها من اليسار , حول سايمور دفته الى الامبريالية الأمريكية و أذنابها الليبرالية و الاصلاحية . يؤكد سايمور على أن الثورة الامريكية و هى انتصار عظيم للبورجوازية الليبرالية " أسست على أسس ديمقراطية عنصرية " جمهورية للعرق الأبيض مستندة على الرق و الابادة الجماعية للسكان الاصليين مدعمة بتعالي عنصري لتبريرها . مع الحرب الامريكية – الاسبانية صورت أمريكا نفسها كقوة امبريالية كبرى . وادرو ويلسون ( الرئيس رقم 28 للولايات المتحدة ) يمثل الوجه الليبرالي الرسمي للامبراطورية الامريكية فقد اعلن ان الولايات المتحدة يجب أن تكسر كل الحواجز و المعوقات التى تواجه تجارتها حتى لو " أن حكومات الدول الرافضة غضبت من تلك العملية , يجب أن تزرع مستعمرات , حتى لا يظل أى ركن فى العالم غير مُستغل او مستخدم " و من غير المستغرب أن يكون ويلسون رجل عنصري ممن ساندوا جماعة كو كلوكس كلان العنصرية التى تؤمن بسيادة البيض و انه كان من المؤمنيين بأن " الأعراق غير المتطورة سياسيا" غير قادرة على حكم نفسها .
بخلاف مارك توين و عصبته المناهضة للامبريالية و الحزب الاشتراكي الذى انشئه ايجوين دبس , اغلب الليبرالين دعموا الامبريالية الجديدة بما فيها مساندة الحرب العالمية الأولي و لكن الشئ الأكثر حزنا هو الحزب الشيوعي الذى خاض العديد من المعارك العمالية فى الثالثينات فقد أخذ الموقف الستاليني و ترك معارضته للحرب العالمية الثانية و أيد قرار روزفلت بسجن الامريكيين ذوى الأصول اليابانية و طرد العضوية اليابانية من الحزب و اعلان ان الماركسية هي " أمركة القرن العشرين" خيانات الاصلاحيين و الستالينين ساعدت فى خلق مساندة شعبية للامبريالية الامريكية .
صباحة الحرب العالمية الثانية اصبحت ليبرالية الحرب الباردة هى المهيمنة فى الولايات المتحدة . و حكومات الرؤساء ترومان , جونسون و كينيدي وعدت باصلاحات طفيفة فى النظام الداخلي و مساعدة الديكتاتوريات اليمينية المعادية للشيوعية بالخارج . الليبراليون و الاصلاحيون مثل الحزب الاشتراكي فى الولايات المتحدة انشأوا يسار" مناهض للشمولية " لمساندة الامبريالية الأمريكية ضد الستالينية و الفاشية .
اليسار الجديد الذى بدأ فى الستينات قد أفقد الدفاع الليبرالي عن الحرب الباردة مصداقيته بين المثقفين لفترة قصيرة و لكن مع تراجع الحركات و خيبة أمل اليسار الأمريكي من الماوية فى الصين انتهزت الامبريالية الأمريكية الفرصة لاعادة تصحيح و علاج مشروعها و وجدت أيادي مساعدة بين المحافظون الجدد و اليسار المناهض للشمولية و أيضا بين مثقفو اليسار السابقين .
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كان الخراب قد وصل لأعلى مراحله نخبة اليسار القديم بجميع تياراته ساندت التدخلات الامريكية من حرب الخليج الى يوغسلافيا و كوسفو و ساندوا تعديات الآلة العسكرية الأمريكية حتى يتم ردع " هتلر آخر" وهو سلوبودان ميلوسوفيتش . أما بعد أحداث 11 سبتمبر رفع مبررين اليسار حرارة تأييدهم للامبراطورية الأمريكية و ادانوا " الفاشية الاسلامية" و ساندوا الامبريالية الامريكية و هجماتها على أفغانستان و العراق .
ربما تكون اهم نقطة فى الكتاب كله هو انه على الرافضيين للهيمنة و الامبريالية ان يأخذوا الماركسية و اللينينية بشكل أكثر جدية وعمق . لأن التراث الماركسي كان دائماً رافض لفكرة الامبراطورية تلك الفكرة المتأصلة فى الرأسمالية و المدافع عن حق الشعوب فى تقرير مصيرها . و أثبت أن الطريقة الوحيدة لمحو الامبراطوريات و الوصول الى تحرير الانسان لن يتم الا عبر ثورة أممية للطبقة العاملة . و مع ذلك التراث الماركسي يستطيع ان يساعد الأجيال الجديدة و الشابة من النشطاء أن ينسفوا أسطورة انسانية التدخلات و انسنة الامبريالية و يبنوا بنفسهم حركة جديدة للتضامن الاجتماعي تكون مبنية من أسفل من العمال و الكادحين و الفلاحين و المهمشين ضد الامبريالية و النظام الرأسمالي الذي يدعم تلك الامبريالية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق